أطلقت مجموعة من الناشطين بشبكة التواصل الاجتماعي «فيسبوك» صفحة جديدة بعنوان «كاماراخ». وتمزج هذه التسيمة الغريبة بين مصطلح «كاماراد»، أي الرفيق المناضل اليساري، وكلمة أخ المتداولة بين الإسلاميين.
نشطاء العدل والإحسان والنهج الديمقراطي التحموا في ما بينهم، في الداخل والخارج، ليخرجوا علينا بمولود جديد مشوه تتحكم فيه مرجعية هجينة تجمع بين شعارات ماركسية جامدة تقوم على مفهوم الصراع الطبقي ومقاومة الامبريالية، وأخرى تحيل على الخوارق والاستنجاد ببركة الشيخ في أمور الدين والدنيا.
سألت رفيقا في الكتابة الوطنية للنهج عن سر هذا العناق بين نقيضين الذي لا يقبله العقل والطبيعة، فقال لي «إن الأمر تفرضه ظروفه مواجة المخزن ولا يعني تحالفا إستراتيجيا»، وهو ما يفيد أن شيوخ العدل والإحسان وشبيبتها ورفاق الحريف، الذين لا يؤمنون بالبنية الفوقية، ويعتبرون كل ملتح ظلاميا ورجعيا، يجدون أنفسهم اليوم يتامى في الشارع الذي لم يتحرك إلى جانبهم فلم تقع «الانتفاضة أو القومة الموعودة»، وبالتالي كان لزاما على الطرفين أن يطويا صفحات العنف الدموي بينهما ويقررا الالتحام إلى حين، ولو عبر الاستعانة بحركة 20 فبراير مظلة في التعبئة والاستعداد لخلق ظروف المواجهة مع «المخزن».
ويركز الطرفان في خططهما على خلق أجواء التوتر وجر الشارع إلى العنف، وهو ما تجلى في حقيقة تحكم كل من النهج والعدل والإحسان في مسيرات الأحد التي انتقلت من وسط المدن إلى أحيائها الشعبية.
لقد ألقى الملتحون والماركسيون الاختلافات الإيديولوجية جانبا واصطفوا طوابير، متحدين، للتظاهر لا فرق لديهم بين السكارى والمصلين، والملحدين والمؤمنين، والرفيقة والأخت، إلى درجة امتزجت فيها شعارات «سقوط الاستبداد» بالتكبير والدعاء..
الغريب في مبدعي «كاماراخ» أنهم يدركون جيدا أنهم أعداء إلى حين، لأنهم لا يمكنهم نسيان ملفات الماضي بسهولة، وعلى رأسها «مذابح» الجامعات التي استعمل فيها طلبة العدل والإحسان والقاعديون السيوف في حروب ضروس لا تنسى داخل الحرم الجامعي، و«محاكمات» عدليين لنشطاء قاعديين، ذاق مرارة عقوباتها عدد من قيادات اليسار الجذري، كما كان هؤلاء يتهمون الملتحين بـ «قتل عمر بن جلون»، وكانت كلمة «الأخ» محط سخرية من قبل «القواعدية» الذين كانوا يستفزون «الخوانجية» في الجامعة بـ «الإفطار في رمضان جهارا»...
التأسيس للجبهة التاريخية للثورة ضد الأنظمة، كما نظر لها المفكر الايطالي «أنطونيو غرامشي»، لا يتم دون توحيد المرجعية الفكرية والسياسية لمكوناتها، وإلا اعتبر الأمر موقفا انتهازيا له توابعه الخطيرة على أصحابه، فالنهج، واليسار عموما، لا يمكنهما أن يلتقيا مع جماعة ياسين إلا في المواقف العدمية من المؤسسات القائمة، وهي مواقف تستند على معجم سياسي بائد وآخر يستوحي تيماته من «خلافة المدينة» التي لا تستقيم ومفهوم السياسة باعتبارها فنا للممكن.
النهج يضيع في قوالبه الأرثودوكسية البالية التي تحيل، بدورها، على ماضي الثورة البولشفية ورمزها لينين، إلا أنه يوقف عقارب الزمن في سنة 1917، ولا تدور، ليظل العامل المشترك بين الطرفين رهين فكر ماضوي وآخر طوباوي فوضوي، إلا أنهما يصبان معا في معين واحد، يتجلى في ثورة المعاول.
رشيد باحة