موضوعان استنفرا حواسي خلال الأيام القليلة الماضية. موضوعان بعيدان مبدئيا عن بعضهما البعض، لكنهما معا يفضحان توتراتنا وتناقضاتنا.
«أمينة، القاصر المغربية التي انتحرت بالعرائش؛ اغتصبت وأجبرت على الزواج من مغتصبها، بعد حكم قضائي وبعد موافقة والديها»، هذا ما كتبه صديقي العنكبوتي اليوم على صفحته الخاصة في «فيسبوك». قرأت الخبر أكثر من مرة. لا أعرف أمينة، لكني بالمقابل، أعرف كل تلك الأعداد الهائلة من «أمينات» اللواتي عشن ويعشن بيننا.
إنه قانون مجتمعي أخرق، ذلك الذي ينظف وحل الاغتصاب بوحل أفظع وأكثر وساخة، هو وحل الزواج من المغتصِب. المغتصَبة فقدت عذريتها خلال الاغتصاب. هذا هو الأهم إذن. لقد فقدت، بالنسبة إلى القاضي والأبوين، شرفها. فقدت ما يجعل منها كائنا صالحا للزواج وتكوين أسرة. الطريقة الوحيدة والحل الأمثل لـ «جبر الضرر»، هو تزويجها من الشخص الوحيد المسؤول عن هذه الوضعية، لأن أحدا غيره لن يقبل بها في ما بعد.
أي قانون إنساني في العالم يقول هذا؟ بالتأكيد الزواج ليس مؤسسة ولا حبا ولا شراكة ولا علاقة إنسانية ولا تواصلا ولا مشروع أسرة، هي في النهاية حكاية عذرية وبكارة ودم لن يسيل في ما دون هذا الزواج. أغبياء نحن حد السذاجة إذا تصورنا غير هذا.
من منكم يطالب بمعاقبة هذا الحيوان الذي اعتدى على قاصر؟ من منكم يؤمن بأن جسدها وقلبها ونفسيتها تعرضت لزلزال مدمر؟ هل فيكم بعض من البلادة بعدُ لتؤمنوا بأن ما يستحقه هذا الوحش هو العقاب، لا «إجباره» على الزواج من المغتصبة؟ لنذهب بعيدا في التحليل. أن نجبر المغتصب على الزواج ممن اغتصبها (وهي قاصر للتذكير)، معناه أن زواجه من الضحية هو في النهاية عقاب له على ما ارتكبه من جرم... من نعاقب في الواقع، الضحية أم الجلاد؟ كيف أصبحنا قادرين، باسم القانون، أن نجعل من المغتصِب ضحية أُجبِرت على الزواج؟ كيف تكون لدينا الشجاعة الغبية لكي نواجه طفلة أو مراهقة صغيرة تعرضت للاغتصاب، ونقول لها إننا قررنا أن نعاقب ذلك الحيوان الذي اغتصبك. «تعرفين كيف يا صغيرتي؟ سيكون مجبرا أن يصبح زوجك». يمكننا أن نضيف ما يلي: «سيكون مجبرا لأن يصير زوجك، رغم أنك أصبحت لا شيء، ملوثة ملطخة الشرف».
من المسؤول اليوم عن انتحار أمينة؟ مُغتصبها؟ والداها اللذان وافقا على هذه الزيجة مُداراة للفضيحة وإنقاذا لشرف أمينة؟ القاضي الذي ارتأى أن الزواجَ في هذه الحالة هو أعدل الأحكام؟ أم هو مجتمع كامل وتصور متخلف يختزل أمينة ومثيلاتها في غشاء عذرية اخترع الصينيون نسخة مزورة منه، تباع بأقل من مائتي درهم؟
مهما كان المسؤول، فأمينة اليوم وحدها من أدى ثمن تخلفنا جميعا. وقبلها كانت «أمينات» كثيرات وبعدها ستأتي ألف أمينة.
الاستفزاز الثاني، جاءني من خبر نشرته جريدة "الصباح" في عدد نهاية الأسبوع الماضي. الخبر يتحدث عن فتاة تعرضت للاعتداء من طرف بعض الإسلاميين في سويقة بالرباط، إذ قام هؤلاء بتمزيق ثيابها في الشارع جهارا وأمام المارة، معتبرين لباسها مستفزا لمشاعرهم الإسلامية ومنافيا لما يعتبرونه "لباسا شرعيا". قد ترتفع بعض الأصوات لتقول إنه حادث عارض وعرضي، ولا يدخل في إطار إرهاب فكري ممنهج. من الممكن طبعا الأخذ بهذا الكلام. أحداث عين اللوح التي حاول فيها السكان "النهي عن المنكر" دون الحاجة إلى اللجوء إلى السلطات هي أيضا شكل من أشكال الاعتداءات الفردية غير الممنهجة. أستاذ الفلسفة في تارودانت الذي تعرض للاعتداء هو مثال آخر من أمثال تلك الأحداث المتفرقة. ممثل حزب العدالة والتنمية في تطوان الذي رفع أكف الضراعة ليطلب من الله الانتقام من كل من "دفع درهما واحدا للعاهرات المشاركات في مهرجان تطوان" مثال مفرد آخر.
بسيمة الحقاوي التي اعتبرت (قبل الاستوزار)، في تصريح داخل قبة البرلمان تمت إذاعته في التلفزيون، بأن شاكيرا "راقصة ساقطة" تقدم "عرضا بورنوغرافيا مليئا بالتحريض الجنسي والتحريض على الإباحية وضرب للمنظومة القيمية للمجتمع المغربي" (الكلام بين مزدوجتين لبسيمة الحقاوي). عبد الإله بنكيران الذي صرح لشباب حزبه، منذ بضعة أيام، بأنه يفضل أن يوظف يهوديا بكفاءات عالية على مناضل من الحزب إن لم تكن لدى الأخير كفاءات (كذا). كل هذه حالات متفرقة هنا وهناك. ليس في كل هذا أي دعوة إلى العنف ولا أي تحريض على التفرقة والكراهية.
منذ بضع سنوات (ليست بالبعيدة)، حين قتل يوسف فكري عمه المحامي، لأنه سكير، وقتل في ما بعد موثقا في البيضاء بتهمة أنه مثلي، اعتبرت السلطات حينها أن الأمــر لا يعدو أن يكون جريمة عــادية وحادثا عرضيا لا عملا إرهابيا يتم في إطار تنظيمات متطرفة. في ما بعد، عرفنا أن يوسف فكري أمير جماعة "الهجرة والتكفير"، وأنه قتل ستة أشخاص تنفيذا للشريعة، ونفذ 154 اعتداء (حسب اعترافه). مثله كان إخوانه في جماعة "الصراط المستقيم"، قبل أن تستفيق السلطات ومعهما كل المغاربة على وجع أحداث 16 ماي 2003.
خوفي أن نستيقظ في مغرب آخر تكثر فيه الأحداث المتفرقة التي سينفذها أشخاص يعتبرون مهمتهم على الأرض هي تنفيذ الشريعة. سيُقتَل شخص، لأنه سكير وستتعرض شابة في الشارع للاعتداء لأنها سافرة وستهدد أستاذة، لأن تنورتها أقصر من المسموح به، وسيُعنّف صحافي أو كاتب بسبب أفكاره العلمانية الكافرة. ستغتصب طفلة صغيرة، لأنها خرجت إلى الشارع بدون حجاب، وسنعتبرها مسؤولة عن اغتصابها -بسبب مظهرها المخل بالحياء- وقد ندخلها السجن كما حدث في السعودية منذ حوالي سنة، وسيأتي علينا من يعتبرها حالات فردية متفرقة...
بقلم : سناء العاجي, كاتبة
..