|
|
|
|
|
أضيف في 15 مارس 2012 الساعة 59 : 20
حياتهن مرتبطة بفضاء الفن السابع وأجسادهن ألفت كراسي القاعات السينمائية، يبحثن عن لقمة العيش وسط العتمة ويقتنصن زبناء متعطشين لسفك دماء لحم "رخيص".. إنهن "عاهرات السينما"، يلبين الشهوات ويتقاضين المقابل في غفلة من عيون الأمن. "الحياة" زارت إحدى القاعات السينمائية بالدار البيضاء ونقلت ما يحدث خارجها وداخلها وتتبعت مشاهد فيلم بورنوغرافي تجرى أحداثه بكراسي "الموكيط الأحمر" موازاة مع دوران عجلة الشريط السينمائي المبرمج، ثم عادت بهذا الروبرتاج. الساعة ستعانق الخامسة مساءا بعد عشر دقائق، عندما حلت، "الحياة" على مشارف باب إحدى القاعات السينمائية العتيدة بشارع محمد الخامس بالبيضاء.. نسوة جلسن جلسة القرفصاء أمام باب القاعة، ملتفات حول بائعة "الديتاي" يتحدثن بكلام مبهم غير واضح أقرب إلى الهمس. وجوه مشعة بكثرة مساحيق التجميل، يرقبن بشدة قدوم زبون متعطش للحظة متعة تحت جنح ظلام الفن السابع، بجلابة مختلفة ألوانها، تواري وراءها تضاريس "لحم" مازال يحمل بصمات أجيال تتلمذت عليه داخل وخارج القاعة السينمائية. صيد الزبناء لما رَمَقَتْ رَجُلا واقفا أمام الباب الخارجي للسينما، قامت سعاد من موضعها، بتراقص وتغنج مصطنع.. سلك الزبون يده في جيبه واستخرج هاتفه المحمول.. نظر إليه ثم أعاده إلى جيب سترته بعد أن قام بحركة بانوراميكية بعينيه مستكشفا المكان.. سعاد دنت منه وبدأت تسرب خصلات شعرها قبل أن تبادره مخاطبة "مالك الزين بوحدك.. ياك ما نونسك.. الغزال.. أنا يالله جيت اليوم.." كلماتها المغرية التي تقطر عسلا لم تشفع لها، عندما نظر لها الزبون بنظرة دونية، مقطبا جبينه، ومتهكما في كلامه "كاتعرفيني..؟؟ فين هي يامنة..؟ واش ماجاتش هاد العشية؟". بعين الخبيرة استدركت سعاد قائلة وبصرها شاخص في وجه الزبون، وأصابعها تتشابك إلى حد التفرقع "راها مريضة اليوم.. ما غاديش تجي.. واش بغيتي ندخلو للسينيما ولا نمشيو لشي بلاصة أخرى؟" . لف الزبون عنقه صوب دراجته النارية دون أن ينبس بحرف، كناية عن موافقته لاصطحاب سعاد إلى مكان مخصص لممارسة الدعارة، سواء كضيفة تحل عنده في "برتوشه" أو في ضواحي البيضاء الخالية من "الرْجل" أو ضمن مجموعات يسهرون الليل بطوله مع علب الجعة وقنينات الويسكي، والفودكا، و"الشيشة" ناهيك عن اتصالات جنسية لا حصر لها.. خدامة بذراعي حليمة، سيدة شارفت على الأربعين من العمر، كان ترابط أمام السينما بعيون يتقافز بؤبؤها، لا تجد حرجا في الكشف عن مهنتها بل إنها تعتبر ذلك مدعاة فخر.. "أنا خدامة بذراعي الحمد لله، الناس كلها كتخدم شي حاجة من الجسم ديالها كاين اللي كيخدم دماغو كاين الي كيخدم يديه وكاين الي كيخدم رجليه.. وانا كنخدم الي على بالي وبالك"، مستطردة كلامها العفوي والخالي من كل تحفظات "مرة كانخدمو مرة لا، على حساب كانتنا.. ولكن بعض المرات خاصنا نضبرو على الصرف، حيت ماكايبقاش عندنا الريال.. داكشي علاش نقدر نمشي أنا ولا وحدة من هاد البنات باش ما كان.. الحالة صعيبة بزاف". عبارات حليمة "العارية" والمتضمنة لخبرة سنوات، تحيل على وضعية عملها الموسمية، ووثيرة اشتغالها غير المستقرة على حال واحد، فهي تخضع بشكل أو بآخر إلى قانون السوق، المرتبط بالعرض والطلب. "المعادلة دائما تكون مختلة وغير قائمة على نسق واحد، يرتفع العرض لينخفض الطلب بشكل "مهول" أو العكس هو الذي يسري، ضمن دوامة لا تخلو من الشجار والقتال العنيف بيننا، أو المداهمات التمشيطية، التي تقوم بها مصالح الأمن أو ما بات يعرف عندنا بصحاب الحال"، هكذا مضت حليمة كاشفة قبل أن تستفيض في شرحها التلقائي، وهي تأرجح بين كفيها سيجارة و"بريكة" ذات اليمين وذات الشمال، رغبة منها في إشعالهما بعد أن تؤانس غفلة من حديثها.. "الصيف والويكاند، والأعياد هي اليامات فاش كاتكون القضية محركة مزيان.. نقدرو نوصلوا لليلية لـ1000 درهم، وبعض المرات ما بين 30 درهم و50 درهم على حساب الطلب والكليان". مضيفة "ندخلو للسينما أو ما ندخلوش، المهم هو لكليان". عمل غير مستقر، وأجر زهيد يؤكد مرارة تجارة اللحم الرخيص بالبيضاء، ومستقبل مجهول- معلوم، تنسج خيوط حكايته بين الشارع العاري والزبناء المتعطشين، وتمحيكة رجال الأمن. بهو القاعة السينمائية صوت لمعزوفة الطرب الأندلسي، ينبثق من مكبر صوت معلق في سقف بهو القاعة السينمائية، وصور"أفيشات" لأفلام وطنية، وأخرى من إنتاجات هوليود.. ارتياد متزايد لأزواج من العشاق على شباك التذاكر في عناق حميمي، يبدأ من أول وطأة قدم على عتبة باب السينما.. فتيات لم يكملن بعد عقدهن الثاني، مابين محجبات "موديرن" وأخريات يسبحن في فلك التحرر الشبه النسبي.. يتشابكن الأيادي مع رفقائهن الذكور ويتهامسن في سرية تامة. "كاين فيلم 007ديال جيمس بوند وغادي يبدا من دابا شوية.. راه فلافيش معلق فالحيط.. واش ماشفتيهش؟" هكذا قالت جابية التذاكر بصوت رخيم يبعث على الضحك، بعد أن سألها أحد الزبناء" عن عنوان الفيلم المعروض ومتى سيجري عرضه، مردفة كلامها في استغراب لقدومه دون (خليلة) "واش جاي بوحدك.. ولا جاية معاك شي وحدة، تخلي ليها ورقتها هنايا حتا تجي؟" قبل أن تكمل جابية التذاكر كلامها، سحب الزبون ثلاث ورقات نقدية من فئة 20 درهم مستخلصا بذلك ثمن تذكرتين.. الأولى دسها في جيبه والثانية تركها مع الجابية في"الكيشي".. سألنا "مولات الكيشي" عن سبب احتفاظها بالتذكرة إلى حين قدوم "خليلة الزبون"، وعن سبب توافد العشاق على السينما وهل أن القاعة السينمائية أصبحت مرتعا خصبا لممارسة الدعارة في عتمة الظلام..؟ لم ترغب جابية التذاكر في الإفصاح والجواب على أسئلتنا مخافة أن يقطع حبل رزقها لكن بعد مد وزجر من الكلام، أكدت لـ"الحياة" قائلة: "كاع الناس عارفين هادشي.. سواء قدام السوليما ولا لداخل.. غير هنا فلداخل كايجيو الشباب بزاف وكايضورو معانا.. وبرا ماسوقيش فيه.." صمت وترقب حديث جابية التذاكر، قادنا لنستكشف ما يحدث داخل القاعة السينمائية ذاتها، وقطع الشك باليقين.. لهذا، انزوت "الحياة" بآخر صف في القاعة السينمائية.. ستارة الشاشة الكبرى لم ترفع بعد، كراسي غير مملوءة، وأضواء خافتة مثل شموع الكنائس.. في كل صف يجلس زوجان اثنان.. لقطات حميمية لأولى المشاهد في فيلم "تسخينات ما قبل رفع الستارة"، بدأ البعض في التدرب على حوارها الميمي. ما هي إلا دقائق حتى انطفأت الأضواء، ودارت عجلة الشريط السينمائي ليعرض فلمان على التوازي، الأول ظاهر في الشاشة الكبرى، والثاني مستتر يتم عرض أحداثه على كراسي "الموكيط" الأحمر.. عناق حارق سريالي وصوت مطر القُبل يسمر المكان، ودردشة خافتة لا تكاد تسمع، مدرجة في لقطات ساخنة، لم يتمكن مقص رقابة رجال الأمن من قصها. استمر الحال على هذا النحو أو على نحو آخر خَفيُّهُ كان أعظم، في جل صفوف القاعة السينمائية، لما يربو عن الساعة ونصف الساعة، إلى حين عرض جينيريك الفيلم الذي لا يتذكر العديدون حتى اسمه أو وقائع أحداثه. اشتعلت الأنوار وشرع الكل، تقريبا، في إصلاح تسريحة شعره وإعادة أزرار الملابس إلى نصابها.. بعد أن انتهى البعض من أداء دوره في فيلم "الكراسي الحمراء" ليغادر القاعة السينمائية، أما البعض الآخر فينتظر إعادة تجسيد دوره أو استكماله ضمن لقطات بورنوغرافية تحتضنها المراحيض، مراحيض تنبثق منها رائحة قوية "للكريزيل"، وعاملة النظافة جالسة ترقب الغادي والبادي، لا تنبس بحرف حتى يهم أحد الزبناء بالمغادرة، لتبادره بصوت يبعث على الشفقة، "صافي ساليتو.. يالله ضور معايا الله يخليها ليك ديما ناشطة"، ابتسامة رسمت على محيا الزبون.. ليسلك يده في جيبه مستخرجا "10 دراهم شقفة".. ربما رغبته في الانسلاخ من جلد المرحاض جعلته يُكرم "فام دميناج"، وهو في حالة نشوة لا توصف، وصوت تأوه خليلته مازال يقرع في طبلة أذنه. كانت تلك مشاهد من فيلم تتكرر أحداثه، بشكل يومي، داخل قاعات سينمائية.. تحولت إلى مجالات لاختلاس المتعة.. الزبناء يجدون فيها مكانا أكثر أمانا، والعارضات يعتبرونها أنجع وسيلة لكسب المال في وقت وجيز، "فقد نقضي الليلة بأكملها مع زبون مجنون لا يشبع وفي الآخر يلوح ليك زوج دريال، ماشي بحال في السينما الواحد كيجمع ليه واحد عشرة آلاف ريال في النهار على الأقل، مع واحد ثلاثة حتى لـ5 ديال الكليانات"، تؤكد حليمة لـ"الحياة".
|
|
5776 |
|
0 |
|
|
|
هام جداً قبل أن تكتبو تعليقاتكم
اضغط هنـا للكتابة بالعربية
|
|
|
|
|
|
|
|