غادرت العديد من الأفكار المتطرفة الجحور التي كانت اختبأت فيها بعد أحداث 16 ماي، وبدأت تعلن عن نفسها، وبجرأة زائدة، ومن دون إقامة أدنى اعتبار للتنوع والاختلاف والحق في الحرية الفردية، وبعبارة أوضح لمقتضيات الدستور، والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب.
و منذ أن اعتلى حزب العدالة والتنمية "سدة" الحكم، نشطت العديد من الحركات، التي تقترب، في سلوكها من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في بعض البلاد العربية.
وهكذا عرفت بعض المدن وقفات احتجاجية للمطالبة بإغلاق محل لبيع الخمر أو للتنديد بتسليم رخصة لبيعه، حتى لو تعلق الأمر بمطعم، وهي وقفات يتم الترويج لها على نطاق واسع من أجل حشد المزيد من التأييد والدعم بهدف استصدار قرار السحب أو الإغلاق تحت وطأة التهديد والضغط.
كما تحركت آليات الدفاع عن الشرف، في مدن أخرى بدعوى محاربة الدعارة، وإغلاق المواخير، والبحث عن مصدر عيش آخر لممتهنات أقدم مهنة في العالم.
وقد اتخذت هذه الاحتجاجات منحى تصعيديا، اكتسى أحيانا طابع استعراض العضلات "الدينية"، وكأن شاربي الخمر أو ممتهنات الدعارة ليسوا بمسلمين.
من حق المجتمع حماية نفسه ضد "الرذيلة"، لكن هذه الحماية لا ينبغي أن تُسقط من حسابها أن البلاد يحكمها قانون يحدد بدقة المخالفات والجنح والجنايات، ويعاقب عليها، وليس من حق أحد أن يسطو على ذلك حتى ولو كان من حاملي "قنديل" الحزب الحاكم أو الحالمين بقومة العدل والإحسان.
لقد سبق لوزارة الداخلية أن أصدرت بلاغا تنفي فيه وجود "جماعات منظمة" تتبنى أسلوب هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأكدت أن ما حدث أو يحدث هو مجرد مبادرات منفردة أو فردية، غير أنها نست أن هذا المنطق الذي اهتدى إليه البعض بدعوى إصلاح المجتمع يشبه كرة الثلج التي تكبر كلما تدحرجت.
ولعل هذا المنطق قد يزدهر، خاصة إذا كان يروق للحزب الذي يقود التجربة الحكومية الحالية، والتي قد تلجأ إلى الكثير من التنازلات عن الحقوق المكتسبة لكل المغاربة تحت ضغط هذه "الكتائب" التي قد تصبح منظمة، وقد تتحول إلى فأس تحفر بها الحكومة "الملتحية" قبر الحرية الشخصية.