تلقفت جماعة العدل والإحسان دعوات التظاهر الافتراضية، الصادرة من رحم فضاءات التواصل الاجتماعية، بحماس مشوب بالتردد، دفعها في البداية إلى الترحيب بالمشاركة في حركة 20 فبراير بشبيبتها فقط، في إشارة مبطنة إلى أنها أسمى وأقوى من أن تشارك بجميع أتباعها في حركات الشارع، واعدة ومتوعدة الدولة والشعب، بأنها تجند قواعدها كاحتياطي بشري "ليوم موعود قادم لا ريب فيه".
أولى إشارات التجاوب مع الحركة، صدرت عن الطاهرة العفيفة ندية ياسين نجلة المرشد العام، قبل أن يتبعها فتح الله أرسلان، صاحب الفتوحات الشفاهية، الذي بارك ثوار 20 فبراير، وبشر الأمة "بموعد مع التاريخ" تتحقق فيه تنبؤات الشيخ المجاهد، المتمثلة في القومة وبناء دولة الخلافة على المنهاج النبوي.
في أعقاب ذلك، خرجت الجماعة بشيبها وشبابها، نساءها ورجالها، مشايخها وأتباعها، ناصحيها ومنتصحيها، لتحشد في الأخير أسهما في بورصة شد الحبل مع الدولة، مقدارها عشرة آلاف شخص، موزعين عبر مجموع التراب الوطني، غالبيتهم في الدار البيضاء والرباط وخريبكة.
في خضم تعاقب الأحداث، وبعد أشرطة الفيديو الفاضحة التي أظهرت عورات العدليين، وتلاقح الأنساب بينهم، خرجت جمعية نصرة القضايا الإسلامية التابعة للجماعة، لتعمم، يوم أمس الخميس، بيانا إلى الرأي العام، تطالب فيه الشعب المغربي، وأقول الشعب المغربي، بنصرة قضايا الأمة العربية ودعم الأشقاء السوريين، وتجييش الشارع لأداء صلاة الترحم والغائب على الشهداء، بمن فيهم الشهداء الافتراضيين مثل كمال عماري، الذي تعذر على الجماعة كتابة اسمه صحيحا، رغم أنها كانت تدعي أنه من كوادرها.
تعرفون، كم كان عدد الشعب المغربي الذي خرج وهبّ لنصرة العدل والإحسان، يوم الجمعة 24 يونيو؟ حوالي 2000 شخص موزعين على بعض مساجد المملكة ! ولحسن الحظ أن الدعوة كانت يوم الجمعة، وإلا فإن المشاركين كانوا سيعدون على رؤوس الأصابع. ذلك أن الإخوان اغتنموا أداء الفريضة ليعرجوا على وقفات الجماعة، أملا في تواب الآخرة وتزكية المرشد العام.
هذا هو حجم الجماعة من منظور كمي، فما ذا عن وضعها الاعتباري من خلال رؤية الأتباع والقواعد؟ إن الجماعة كما نظّر لها عبد السلام ياسين تقوم على التقوى والصدق، وهما جوهر الاختلاف مع باقي مكونات الشعب بحسب الإسلام أو الطوفان، وهما مصدر النظامية والطاعة اللذين ظلت الجماعة تخيف بهما الدولة وأجهزتها الأمنية.
فالتقوى في قاموس صاحب القومة، جسدتها ندية ياسين ومريداتها أحسن تجسيد، من خلال إشاعة الجنس، لتظهر أولى تجليات التقارب بين العدل والإحسان واليساريين الراديكاليين، بعد أن تأكد أن قاسمهم المشترك هو إباحة الجنس والفرج لغير واطئه بالعقد، كما كرسه العدلي الملقى عليه القبض بسلا بتهمة إهمال الأسرة وتجويعها، والزاني الذي يضاجع زوجة صديقه وزميله في العمل وأخوه في الجماعة.
أما الصدق، فحدث ولا حرج، فأن يخطئ التابع أهون، لكن أن يخطئ الإمام والمرشد وغوت الزمان وسيدي عبد السلام، فذاك قمة الإسفاف والابتذال. فالشيخ المشارف على التسعين من عمره، يبيح الكذب لفتيات قاصرات، ويشرعن لهن تضليل الوالدين، بحجة المشاركة في جلسات الجماعة، فتلك كبيرة من الكبائر، خاصة بعدما اتضح أن جلسات العدل والإحسان لا تكتنفها الملائكة، وإنما يطئها الشيطان بخفيه، ويصول فيها وكأنها ماخور دعارة.
وبمقياس النتائج، نقول أن الجماعة أسقطت بيدها قناع "أسطورة أول قوة سياسية دينية في المغرب" الذي طالما وصفت به نفسها. فقد كشفت مسيرات 20 فبراير ، وتسجيلات الفيديو المواكبة لها، بالفعل عن الحجم الحقيقي للجماعة داخل البنية الاجتماعية والسياسية للمغرب بعد أن ألقت بكل ثقلها في المسيرات معتقدة أن فرصتها للقاء التاريخ قد جاءت بعد ما حصل في تونس ومصر واليمن.
أما النتيجة الثانية، فقد وجدت الجماعة نفسها -ومن حيث لا تدري- وجها لوجه مع الدولة، التي تدرك -كما يدرك جميع الملاحظين- أن مطالب شباب 20 فبراير واليساريين لا تشكل خطرا يذكر، ما دام أنها موجودة ضمن خارطة طريق معدة سلفا ومن سنة 1999، وأن تنفيذها سيتم لا محالة داخل المؤسسات الدستورية القائمة. عندها سيمر المغرب إلى الملكية الثانية على الشكل وبالطريقة التي ستقررها الأحزاب السياسية والنقابات العمالية والمؤسسة الملكية والشعب بعيدا عن ديماغوجية العدل والإحسان وأذنابها، وفي ظل مشروع وثيقة دستورية، غير ممزوجة بالإفك والبهتان.
بقلم فتح الله العدلاوي