ألهم بل ألهب الفشل الذي رافق "إحياء" حركة 20 فبراير لذكرها الأولى، والذي لم يلق أية استجابة من طرف شباب الحركة أنفسهم، ضغائن أبو بكر الجامعي، الذي كان حل في المغرب من أجل الاحتفاء بهذه المناسبة، غير أنه لم يجد في المسيرة التي حضر من الخارج، خصيصا، للمشاركة فيها سوى بعضة نفر، فعاد خائبا إلى أوروبا، ولم ينتظر إلا يومين كي يوزع التهم على الجميع بدءا بالنظام، ومرورا بالعدل والإحسان، ووقوفا عند عبدالإله بنكيران.
ولم يجد بوبكر الجامعي من مدخل لتكرار أسطوانته المشروخة، في تسجيل مرئي بثه موقع "يوتوب"، وذلك على هامش ندوة حول حركة 20 فبراير جرى تنظيمها ببلجيكا يوم 22 فبراير 2012 سوى إدعاء أن الوضعية الاقتصادية بالمغرب كارثية بسبب سوء الحكامة، بالرغم من أنه يعلم علم اليقين أن المغرب ليس بمعزل عن محيطه الدولي، وأن أعتا الدول لم تسلم من تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية، بما في ذلك الجارة الشمالية، حيث يقيم: إسبانيا، وأن اقتصاد المغربي نجح نسبيا في امتصاص تداعيات هذه الأزمة، وأنه، كما حصل دائما، قد يتأثر بنتائج موسم فلاحي يبدو أنه لن يكون في مردودية مواسم سابقه.
وفي غمرة، هذا التخريف، ركب السيد الجامعي على أحداث تازة زاعما أنه سنة بعد ظهور حركة 20 فبراير أصبح احتمال وقوع فتن على غرار ما وقع في تازة جد كبير، ناسيا أن المجتمع المغربي عرف من قبل أحداث صفرو و أحداث سيدي إفني وأحداث الحسيمة وأحداث بني ملال من دون أن تتحول هذه الحركات الاحتجاجية إلى فتن أو إلى نار في الهشيم كما يمني النفس، بل ظلت أحداث معزولة تحكمت فيها اللحظة والحاجة الاجتماعية، لا الرغبة في "إسقاط" النظام.
وهنا يكمن وجه الاختلاف بين هذه الحركات الاحتجاجية وبين حركة 20 فبراير التي يسعى الجامعي إلى تبرئتها من تهمة الرغبة في " إسقاط " النظام أو ما يسميه البحث عن "الضربة القاضية"، ويختزل مطالبها في إقرار ملكية برلمانية حقيقية، بالرغم من أن شعار "إسقاط" النظام رفعته في أكثر من مدينة، مما جعل الكثيرين ينفضون من حولها، لأن الشعار المركزي الذي انطلقت به، في البداية، كان هو إسقاط الفساد والاستبداد، ولكن الحركة اغترت، في بعض اللحظات، وسعت إلى تسديد "الضربة القاضية" بقبضة جماعة العدل والإحسان التي كانت تبحث عن تطهير الشوارع بالدماء.
صحيح أن عددا من شباب الحركة أدرك خطورة الطريق، فقاوم رغبة العدل والإحسان، وتعرض لكافة أشكال التحرش والاحتكاك، لكن بعضهم استمر في البحث عن "الضربة القاضية" في عز الإصلاحات السياسية التي عاشها المغرب، وهي إصلاحات لا تروي عطش أبو بكر الجامعي، مادامت حركة 20 فبراير لا تحتل نشرات الأخبار والبرامج الإخبارية، و تُخصص لها وسائل الإعلام العمومية والحزبية والمستقلة مساحات في الإشهار.
ولأن العدل والإحسان فشلت في مسعى "إسقاط النظام" بذراع حركة 20 فبراير، فقد قررت الانسحاب من "اللعبة"، وهذا ما يجعل الجامعي يبقى مترددا، وغير مقتنع بالأسباب التي تدعيها الجماعة، لكنه أسقط من حسابه إيحاءات المثل الشعبي القائل "زوج لفاع ما تيتلقاوش في غار".
وبالرغم من أن الإصلاحات التي أقرها المغرب أثمرت حكومة "ملتحية" لأول مرة في تاريخ البلاد، وهي حكومة تمخضت عن صناديق الاقتراع، فإن أبو بكر الجامعي لم ير في بنكيران سوى "كذابا" على حد تعبيره، لأن الكثيرين كانوا يعتقدون أن إسلاميي المغرب سيدفعون في اتجاه رفض المشاركة، وأن النظام لن يسمح بصعود العدالة والتنمية إلى الحكم، وأنه سيعيد خطأ الجزائر مع جبهة الإنقاذ الإسلامية، ، وهو ما كان سيفتح لهم الباب على مصراعيه من أجل تصعيد الاحتجاج، ولما لا "إسقاط النظام"، لكن حدث العكس، وحدث ما لم يكن في الحسبان، وهو ما جعله يردد في قرارة نفسه: "لماذا لم يزوروا الانتخابات؟ ولماذا قبل حزب المصباح بالمشاركة؟
وبما أن التزوير لم يحدث، والمشاركة تحققت بالفعل، فإن الجامعي يعود أدراجا إلى الوراء من أجل بت بذور اليأس في التجربة ككل، تماما كما فعل مع تجربة التناوب التي قادها عبدالرحمان اليوسفي، لأن الهدف ليس هو الإصلاح، بل مخطط كبير يتحكم في خيوطه الأمير مولاي هشام، الذي هو حر فيما يقول بالتأكيد.
رشيد الأنباري