اقتضت العادة أن تدافع النساء بشراسة عن حدود علاقتهن بأزواجهن. لكن بعضهن يخلقن الاستثناء بقصصهن الغريبة. اخترن بمحض إرادتهن جلب ضرة تقتسم معهن مملكتهن. لكل واحدة منهن أسبابها، ولكل قصة نهايتها، منهن من نجحت في ضبط إيقاع ما بدأت فيه، ومنهن من وجدت نفسها خارج اللعبة بعد أن انقلبت عليها “ضرة تحت الطلب”.
بدأت علاقتهما بصداقة داخل مقاعد الدراسة بسوريا، وانتهت بزواج انتقلت على إثره سارة ابنة حلب نحو المغرب رفقة زوجها المغربي. خفف دفئ العلاقة من وحشة الغربة التي كانت تعيشها الزوجة الشابة بعد أن تركت أهلها وبلدها. كان انتظار المولود خطوة لغرس جذور جديدة داخل بلد مضيف. مرت سنة، اثنتين، ثلاث…اكتشفت سارة أنها عاجزة عن معانقة حلم الأمومة، مكتفية بتوطيد جذور معنوية بين عائلة زوجها.
زوجته بدل والدته
بدأت سارة تعاني من تلميحات حماتها التي لا تفوت أي مناسبة لتكشف عن رغبتها في رؤية أحفاد ابنها الأوسط بعد أن رزقت بأحفاد من باقي أبنائها. كان للكلام وقع خاص على سارة البعيدة عن أهلها. « لم أحبذ فكرة البقاء في دائرة الانتظار لأجد نفسي أمام الأمر الواقع، خاصة بعد معرفتي أن زوجي كان ينوي خطبة ابنة خالته قبل التحاقه بسوريا». كانت عزوبية ابنة الخالة تزعج سارة، ومع أنها فكرت في مفاتحته في مسألة الزواج، لكن لحسابات نسائية غير معروفة أرادت اختيار زوجة لم يفكر بها الزوج من قبل.
رفض الزوج في البداية، لكن إلحاح والدته وزوجته جعله يقبل في النهاية. كانت غيرة النساء حاضرة في خيارات سارة وإن كانت هي صاحبة المبادرة ، «حاولت أن لا تكون ابنة خالته ضمن الخيارات وإن كانت والدته قد عملت على دفعه نحو هذا الأمر، لأنني كنت أشعر أن مصيري سيكون هو الطلاق إن تمكنت تلك المرأة من أن تصبح ضرتي»
لم تكن هناك مرشحة معينة أمام الزوجة، لذا كانت تقترح بشكل عشوائي نساء قاسمهن المشترك أنهن لسن بنفس جمالها. اختيارات لم تكن تعجب الزوج مما فتح باب النقاش أكثر من مرة بين الزوجين عن الهدف من هذه الخطوة، «كنت أعلم أنه رفض بعضهن لأنهن لسن جميلات، لكن لم يكن بوسعي اختيار امرأة جميلة لأنني في النهاية زوجة طرقت هذا الباب مكرهة».
اختارت سارة أن تدفع زوجها نحو خطوة الزواج بأخرى، لكنها اختارت بالمقابل الابتعاد لفترة بعد أن أصبحت فكرة الضرة أمرا واقعا. في كلام الزوجة الكثير من التناقض، فهي من جهة كانت صاحبة فكرة الارتباط بأخرى حتى لا تحرم زوجها الحصول على ابن، لكن من جهة أخرى كانت تتمنى لو تمسك بالرفض، أو اقترح بديل التبني. اقتراحات أصبحت بدون أهمية بعد أن رزقت الضرة ثلاثة أبناء ذكور، تحاول سارة المشاركة في تربيتهم لتمارس أمومتها المفقودة، كما أنها لا تخفي إحساسها بالخوف من الغد، «أرى كل يوم الحيز الذي تأخذه ضرتي وأبناءها في حياة زوجي، وأشعر في بعض الأحيان بالندم، لكن من جهة أخرى أحس أن هذه الخطوة كانت الخيار الصائب رغم قسوتها»
زوجة على الورق
لم يكن زوج فتيحة مرغما على الالتفاف على القوانين كما يفعل الكثير من الرجال الذين وجدوا أنفسهم ملزمين بالحصول على موافقة زوجاتهم من أجل الاقتران بزوجة ثانية. فعلى غير العادة اختارت فتيحة ضرتها بنفسها، واستقبلتها في بيتها، ونسجت معها علاقة صداقة قوية تجعل الضرتين في الكثير من الأحيان يهددان الزوج بالطلاق على سبيل الدعابة.
كانت فتيحة تعيش حياة طبيعية رفقة زوجها قبل تعرضها لحادثة سير مما اضطرها للدخول في غيبوبة لمدة ثلاثة أشهر داخل إحدى المصحات بقطر حيث كان يشتغل زوجها. تمكنت الزوجة من استعادت وعيها وانتقلت رفقة زوجها إلى المغرب لكن حالتها الصحية كانت تسوء يوما بعد يوم. لم تعد فتيحة قادرة على مغادرة سريرها، أو تلبية أبسط احتياجاتها حيث كان الزوج يعمل إلى جانب ممرضتها على إطعامها، وتغيير ملابسها.
أصبحت الزوجة أشبه بالجثة وتناوب على رعايتها أربع ممرضات خلال سنة. كان للممرضة الخامسة التي ساقتها الأقدار نحو فتيحة حس إنساني جعلها تتفان في رعاية فتيحة، إضافة إلى إشرافها على تدبير البيت رفقة مساعدتين. لم يكن للممرضة من خيار آخر وهي الأرملة الشابة والأم لطفل سوى الاستماتة في عملها، لكن فتيحة فتحت أمامها الباب على خيار الزوجة الثانية.
لم تتردد الممرضة في قبول الفكرة. رفض الزوج في البداية لكنه قبل في نهاية الأمر. لم يكن من الصعب على الأسرة الجديدة أن تتلائم مع الوضع الجديد، لتجد فتيحة راحتها النفسية وتتعايش مع حالتها الصحية. رزقت الضرة بطفلين آخرين تسعد فتيحة بقضاء وقتها في مداعبتهم والحديث معهم دون أن تغادر سريرها. رغم عجزها عن الحركة تعمل فتيحة على تدبير البيت محافظة على “ولاء” ضرتها التي تفرغت للعناية بها وبأبنائها.
دائرة المنافسة
كانت الحاجة تبلغ من العمر 25 سنة عند زواجها، بينما كان زوجها في التاسعة عشر. كان الزواج مدبرا ولم يكن للإبن الخيار بعد أن قرر الكبار. مضى على زواج الحاجة 13عاما دون أن ترزق بابن. لم يخطر ببالها أن تفاتح زوجها في موضوع الضرة، لكن والدتها فاتحتها في الموضوع من باب الحفاظ على استمرار زواجها، خاصة أنها تملك نقطتي ضعف كبر سنها، وعقمها. أوكلت الحاجة لوالدتها مهمة اختيار الضرة التي عملت الأم أن تختارها أقل جمالا من ابنتها.
بعد حضور الضرة التي ظهر حملها بعد أشهر من الزواج، بدأت الحاجة تتخوف على مستقبل علاقتها مما جعلها تصبح أكثر عدوانية وتسلطا اتجاه ضرتها، وهي تذكرها أن دورها ينحصر في الإنجاب فقط. رزقت الضرة بخمسة أبناء وابنة ونجحت في أداء دورها الذي جاءت من أجله، مما جعلها تشعر بالرغبة في الانفلات من جو الحصار الذي تضعها فيه الزوجة الأولى.
أحست الحاجة أن الكفة بدأت تميل لصالح الضرة لذا حاولت أن تتدخل في تربية الأبناء مما جعل الزوج يتأفف من جو التوتر الذي يعرفه البيت. وجدت الزوجة الثانية في رد فعل الزوج مدخلا للتنفيس عن سنين التضييق التي فرضتها عليها الحاجة، لتقف أمامها ندا لند، فاتحة الباب لتبادل مكائد النساء. وضعت الحاجة نفسها في موقف محرج عندما طالبت الزوج في أن يختار بينها وبين ضرتها، لتجد نفسها خارج دائرة المنافسة في أواخر العمر.