|
|
|
|
|
أضيف في 27 فبراير 2012 الساعة 15 : 14
جواد غسال
عندما سئل المختار السوسي على طريقة كتابته للشعر، وأسلوبه الخاص في الكتابة، رد بطريقة تنم عن الثقة في النفس، مبررا لجوءه إلى كسر القواعد بأحقيته في الكتابة بالطريقة التي يراها مناسبة للتعبير، لكن أن تتجاوز الكتابة عند شعراء سوس حد التعبير باللغة الواحدة، فهذا ما لم تكن تتوقعه البحوث في مخطوطاته الغزيرة، ولم تكن تعتقد أن الشعر العربي سيزدان ويتزين باللغة الأمازيغية في البيت الشعري الواحد، يمتحون في ذاك من فصاحتهم في اللغة العربية وامتلاكهم ناصية اللغة الأم.
فمن يبحر في مخلفات جهابدة سوس، يتفحص في الطريق مكونين أساسيين، مخطوطات في العلوم والثقافة، وأنواع مختلفة من الشعر، على شاكة مناظرات على الهواء (سنعود إليها لاحقا) شكلت مجالا ل"نشر غسيل" الخصومات السياسية، والمدح والهجاء بين القبائل وأعيانها... ومن المألوف أن الشاعر عندما يصل مستوى متقدما في سبك أغوار القصيد، ونظم البحور وسجع صدر البيت الشعري وعـَجـُزه، وإتقان العزف على القوافي، يبدأ في الإبداع خارج النطاق المعهود، فكتب العرب أبياتا تقرأ من اليمين واليسار كقول الشاعر:
مودته تدوم لكل هول و هل كل مودته تدوم
وشاعر ذهبت نباهته حد كتابة قصيدة تقرأ من اليمين فتمدح وتقرأ من اليسار فتذم، وهو يقول:
من اليمين إلى اليسار ... (مدح)
طلبوا الذي نالوا فما حُرمــــوا رُفعتْ فما حُطتْ لهـــم رُتبُ وهَبوا ومـا تمّتْ لــهم خُلــــــقُ سلموا فما أودى بهـــم عطَبُ جلبوا الذي نرضى فما كَسَدوا حُمدتْ لهم شيمُ فــمـــا كَسَبوا
من اليسار إلى اليمين (ذم)
رُتب لهم حُطتْ فمــــا رُفعتْ حُرموا فما نالوا الـــــذي طلبُوا عَطَب بهم أودى فمــــا سلموا خُلقٌ لهم تمّتْ ومـــــــــا وهبُوا كَسَبوا فما شيمٌ لــــهم حُمــدتْ كَسَدوا فما نرضى الذي جَلبُوا
تجاوز شعراء آخرون الشعر الذي يقرأ من الجهتين إلى إبداعات أخرى، كتلك التي تفتقت بها قصيدة منسوبة إلى قارحة الإمام علي رضي الله عنه وهو يردد:
ألــــــــــــوم صديقـــــي وهـــــــــذا محـــــــــــــــــــال صديقــــــــي أحبــــــــــــه كـــــــــلام يقـــــــــــــــــال وهـــــــــــذا كــــــــــــــلام بليــــــــــغ الجمـــــــــــــال محـــــــــــــال يــــــــــــقال الجمـــــــال خيــــــــــــال
ومثل ذلك ما ذهب إليه الشاعر السوسي، بعد أن صالت قصائده وجالت في المواضيع والمجالات، ومدحت ما كان يميز الحياة السوسية، حتى قال المختار السوسي في "تاكلة" أو " العصيدة" ما قاله العرب في الخمرة، وهو يتغزل في أوصافها، ويثني على مفاتنها:
لمـــن جفنـة قــد أقبلــت تتألـق تـــلوح بـــلألاء العصيـــدة يبـــرق مسنمــــــة حتـى كــأن سنامهـا شماريـخ طــود لم يكــد يتسلــــق وقد فغمت منها الخياشيم نكهة تطيـب بهـا كـل النواحي وتعبــق أهذا أريج المسـك أن نفـح روضـه أزاهيــرها تــحت الصبــا تتفتــق
حتى قال:
أدام لنـا الله العصيـــدة مـا غــدت مصـــــارين بطن الجائعين تنقــــق وما سالت الأريــاق إن عـنّ ذكــرها وطـاف حواليهــا ثنــاء محلّـــق
لم يتوقف شعراء سوس في ابداع الجديد واللعب بالكلمات والألفاظ، في حد قلبها وقراءتها بطريقة المشارقة، بل تفوقوا بجعل المزج بين اللغتين الأمازيغية والعربية سمة الإبداع في الشعر السوسي، ومثل ذلك ما ذكره السوسي في مؤلفاته لمجموعة من الشعراء في مزج اللغتين، كقول الشاعر بن عبد السميع الرسموكي:
اسم الاله في الكلام إيزوار(يسبق) وهو على عون العبيد إيزضار (قادر) وهو الذي له جميع تولغتين(أمداح) وهو المجير عبده من تومرتين (مشاق)
وفي قصيدة للشاعر المعاصر عبد الله بن إبراهيم البوبكري، يزداد التحام اللغتين، في مرحلة تاريخية متقدمة، بذات الجمالية في قصيدته "الغريب":
الحمد لله القدير إزوار(سابق) في قصة الغريب غكي نودرار(فوق الجبل) وما جرى له غوبريد ياكوكني(الطريق البعيد) والوعر والقفار دي إجرفني (ذي الصخور)
ويضيف:
كم ليلة أضاعها في أخربيش (في خربة) حول الرماد أور إديل أور إفريش(بدون غطاء ولا فراش ) وشمعة بقربه أركاتلا(تبكي) في ليلة مظلمة أرد يس يلا (يبكي معها)
لا تشكل هذه القصائد المشار إليها في العديد من الكتابات سوى جزءا صغيرا من تفاعل الشاعر السوسي مع ظاهرة شعرية فريدة من نوعها، التحمت فيها اللغتان حتى صار فيهما الإبداع في الإيقاع والقواعد الشعرية، الموسيقى الشعرية لا يكاد يفرق بين المفردات في الشعر، وإن كان بعضها وفق ما جاء في بعض المخطوطات ونقلتها العديد من الكتابات، طبعتها لحظات التفاعل مع وقائع بعينها، جمع فيها الشاعر بين الفكاهة والإبداع.
وبكلمة، ودون دراسة معمقة لهذه القصائد، (اعتبارا لطبيعة المقام والمقال) ودون تعمق في طرحها، إلا أن هذه الظاهرة جسدت عمق التفاعل بين اللغة والثقافة الأمازيغتين وبين اللغة العربية... إنها تمنح صورة متكاملة عن طبيعة العلاقة التاريخية بين مكونات الهوية المغربية، في مرحلة لم يكن الأدب والثقافة مطبوعية بجحود يخرجهما عن نطاقيهما.
Jaouad800@gmail.Com
|
|
4415 |
|
0 |
|
|
|
هام جداً قبل أن تكتبو تعليقاتكم
اضغط هنـا للكتابة بالعربية
|
|
|
|
|
|
|
|