|
|
|
|
|
أضيف في 27 فبراير 2012 الساعة 40 : 08
بقلم: أحمد عصيد, كاتب
يبدو أن السيد مصطفى الخلفي، وزير الاتصال، يتجه بخطى ثابتة نحو الحصول على لقب «رجل السنة» لهذا العام، فالوتيرة التي انطلق بها في منع المنشورات والمجلات بدعوى وجود صور صادمة للحسّ الديني أو منافية لـ»الأخلاق»، قد تجعله، في نهاية السنة، مالكا لرقم قياسي لا جدال فيه، أما إذا أضفنا عدد الشباب المدوّنين الذين سيعتقلون خلال السنة الجارية بتهمة «المس بالمقدسات»، وعدد الأفلام التي قد تسحب من القاعات أو تصادر هنا وهناك، فقد تصبح للرجل بصمته «التاريخية» في المشهد الإعلامي المغربي . غير أن المشكلة التي ستواجهها حكومة بنكيران بعد أن يكون السيد الخلفي قد فرغ من ملاحقة أجساد الممثلات وعارضات الأزياء على صفحات المجلات، هو ما إذا لم يكن في رصيدها من المنجزات غير هذه الفتوحات المبينة من المنع والحظر والمصادرة، في الوقت الذي ينتظر فيه الناس من حكومة ما بعد انتفاضة الشارع المغربي، أن تقوم بالخطوة الحاسمة في محاربة الفساد والمفسدين وتنزيل الدستور وإيجاد مناصب الشغل المطلوبة وتوسيع مجال الحريات إلخ.. وهي أمور ما زالت تبدو مستعصية على هذه الحكومة، بل يبدو في الأفق خلافها تماما، وهو السعي إلى التغطية على الفشل المحتمل بمظاهر التديّن الشكلي التي لن تكون أبدا بديلا للحريات وللعيش الكريم ولحقوق المواطنة، خاصة بعد أن قام إسلاميو الحكومة بليّ عنق الدستور وتأوليه باختزال هوية المغاربة المتعددة الأبعاد في الدّين وحده، وجعل هذه الهوية مشجبا لممارسة الرقابة على الفكر والإبداع وقمع الحريات الفردية والجماعية، وهو ما وضعوه حيز التنفيذ في المجتمع بتوظيفهم المكشوف لتيارهم الدعوي من أجل إحداث القلاقل في المجتمع بلعب دور شرطة الأخلاق والاعتداء على المواطنين باسم «محاربة الدعارة»، أو «منع بيع الخمور للمسلمين»، وكأن المسلمين أطفال قاصرون لا يعرفون ما يختارونه ويريدونه تحديدا، هكذا تلتقي ذهنية المنع والمصادرة في الإعلام مع ذهنية التحريم والقهر في المجتمع لتهيكل الصورة المثالية لدولة الإرهاب ومحاكم التفتيش التي كان الإسلاميون يُتهمون بالسعي إلى إقامتها، التهمة التي كانوا ينفونها عن أنفسهم مطالبين بحقهم في المشاركة السياسية، معتبرين ما يحاك ضدّهم «فزاعة» وهمية. وقد نبهنا عندما أعلنوا في صحافتهم «سقوط فزاعة الإسلاميين» بأن محك التجربة هو الكفيل بالكشف عن حقيقة ما يسعون إليه، سواء في الخفاء أو العلن، وهو ما ظهر التوجه إليه واضحا لا لبس فيه، محاولة العمل عبر مؤسسات دولة وعبر الأتباع الذين يمثلون أقلية من المتشدّدين في المجتمع، على فرض نمط التديّن الوهابي المتطرف بوصفه القيم الطبيعية للمجتمع المغربي الوسطي والمتسامح، وهو أمر لا يمكن إلا أن تكون له أفدح النتائج غير مأمونة العواقب، سواء على السلم الداخلي والاستقرار السياسي والاجتماعي، أو على المسار الديمقراطي الذي هو رهان وطني لا ينبغي أن يخسره المغاربة.
لنا نقاش مع السيد الخلفي وجماعته في بعض التفاصيل، عبر طرح الأسئلة التالية: هل من حق جهة معينة أن تصادر حق المغاربة في الإطلاع على مضمون الصّحف والمجلات المصادرة ؟ كيف يمكن لوزير في الاتصال أن ينوب عن المغاربة في تحديد ما ينبغي أن يشاهدوه ويطلعوا عليه وما يجب إخفاؤه عنهم؟ هل في عصر كالذي نحن فيه يمكن عزل الناس عن المعارف أو الصور أو المضامين الإعلامية أيا كانت؟ أليس المنع والحظر أفضل طريقة في عصرنا للدعاية للمحظورات وترويجها حتى لدى الذي لا يأبه بها؟ أليست سلطة حكومة «البيجيدي» بسعيها إلى الحظر والمنع تثبت غربتها عن العصر وعدم استفادتها من تجارب دول الاستبداد في الجوار، تلك التي أقامت، لزمن غير يسير، شرعيتها الوهمية على ثقافة المنع والتحريم والمحاكمة ؟ هل عاش المغاربة أزيد من نصف قرن من سياسة التحكم السلطوي باسم المنظور الأمني المتخلف، لكي يأتي من يعطي نفسه حق ترسيخ السياسة نفسها من منظور المقدس الديني؟ هل ينفع الدين في إخفاء الطابع الاستبدادي للسلطة؟ هل يمكن للدين أن يكون نسقا شاملا وبمنظور واحد مفروض بقوة السلطة في ظل الدولة المدنية العصرية؟ هل يتطابق ما قامت به الحكومة من منع وحظر مع ما ينصّ عليه الدستور المغربي من ضرورة احترام الحريات وحقوق الإنسان، كما هي متعارف عليها عالميا، وباعتبارها كلا غير قابل للتجزيء، هل من حق مواطنين مغاربة أن ينشئوا في ما بينهم فرقا لإرهاب الآخرين والاعتداء عليهم وفرض قيم معينة بالإكراه خارج قوانين الدولة؟ هل الدين الإسلامي لا يمكن أن يكتسي أي طابع آخر غير المنع والحظر والزجر والمصادرة؟ أليس للدين طابع إنساني وحضاري يمكن في إطاره أن تتجاور عدة أنماط وعي وسلوك وقيم تقليدية أو عصرية حداثية؟ إذا كان الجواب بالنفي، فسيكون الأمر خطيرا، لأنه سيعني أنّ الدين الإسلامي كما يفهمه هؤلاء المتشدّدون، لا يصلح للمجتمع العصري ولا لحقوق الإنسان، ولا يمكن تطبيقه إلا على مجموعة دينية مغلقة منسجمة انسجاما مطلقا وتخضع لمنظومة قيم ثابتة. إن إسلام حكومة «البيجيدي» لا يطابق تطلعات المغاربة إلى مزيد من الحرية، وإن كان يطابق تماما وضعية المجتمع الإسلامي في مراحل غابرة من تاريخه خلال القرون الماضية، والإمعان في تبني هذا المفهوم في سياق الدولة العصرية، يدلّ على مقدار استلاب «البيجيديين» في التراث الفقهي القديم، وعجز منظريهم وفقهائهم عن إبداع فقه جديد لعصرنا، يلائم الأوضاع الجديدة للإنسان المغربي المواطن، العضو في مجتمع عصري يطبعه الاختلاف في إطار الاحترام المتبادل.
|
|
2379 |
|
0 |
|
|
|
هام جداً قبل أن تكتبو تعليقاتكم
اضغط هنـا للكتابة بالعربية
|
|
|
|
|
|
|
|