بقلم : حكيم بلمداحي
يتطور الخطاب المحافظ بوتيرة سريعة ببلادنا في وقت كان من المفروض أن يتطور النقاش في اتجاه الزمن الذي نعيشه وهو القرن الواحد والعشرين. فقد ظهر منظرون يدفعون من جديد نحو ترسيخ مفهوم الخصوصية، الذي هو في حقيقة الأمر ليس سوى دعوة للاستبداد والإجهاز على حقوق الناس وحرياتهم.
فمن رافض لكونية الحقوق إلى منظر لحكم الفقهاء إلى مقنن للحريات بمزاجية أصولية، وغيرها من الأمور التي تدفع المرء إلى التوجس من مستقبل قد يحيط به الظلام من كل جهة: سياسة وإبداعا ومعيشا يوميا.
لامفر إذن من الاعتراف بأننا عدنا إلى سؤال الهوية من جديد، رغم أن الدستور قنن مجموعة من الأمور في اتجاه رفع البلد إلى مستوى الكونية.
لكن رغم هذا يظهر أن الماضويين، مع هذه الردة السياسية التي أفرزها ما يسمى بـ«الربيع العربي»، أحسوا بأن المناسبة سانحة لكي يقطعوا دابر النور في الممارسة اليومية للناس. بدأنا نسمع كلاما من قبيل التشريعات الدينية، والفن النظيف، والاقتصاد الديني وغيرها من الأمور التي تستهدف استمالة المغاربة المتدينين بطبعهم.
والخطير في كل ما يجري حولنا، هو اختفاء المثقفين والمتنورين والساسة الحداثيين، تاركين الساحة لفقهاء البذخ، وسلفيي البداوة، وأنصاف المثقفين لينفثوا في الناس خطابات مسمومة غارقة في التخلف.
وخطورة هذا الخطاب تتمثل في سهولة التقاطه لما يحمله من شعبوية تصل إلى الناس بسهولة، وأيضا لما يرتكز عليه من تغليف بالدين مما ييسر قبوله من قبل شريحة واسعة من المواطنين.
إن ما يروج له من خطاب الردة لا يجب الاستهانة به، لأنه أداة فعالة ستتحجج بها الحكومة لفرملة التوجه الحداثي للمغرب. وسنجد أنفسنا في النهاية أمام تراجع «مبرر» في مستوى التشريعات والممارسات القانونية والمجتمعية. فالمغاربة يريدون لبلدهم أن يتقدم إلى الأمام، ليعيش المغربي حرا كريما، لكن أيضا عصريا في حياته وفي القوانين التي تحكمه. والعيش الكريم لا يمكن تصوره إلا في نظام ديموقراطي حداثي يعتمد الحرية وحقوق الإنسان أصلا ومرجعية. وهذا غير موجود لحد الآن سوى في مرجعيات المواثيق الدولية التي تضمن للناس الحق في الحياة وفي التعبير والتفكير والاعتقاد.