أضيف في 24 يونيو 2011 الساعة 52 : 10
✪ ينظر البعض إلى إسناد الطابع الإسلامي للملكة المغربية على أساس أنه نفي للطابع المدني عن هذه الدولة، ما هو رأيكم؟ ✹ نعم قرأت تصريحا منسوبا للدكتور الطوزي في هذا الصدد عضو اللجنة الاستشارية للمراجعة الدستورية وإذا صح ما نسب إليه فأنا أستغرب أن يصدر من مثله، لأنه يضع الصفة الإسلامية للدولة في مقابل الصفة المدنية للدولة ، وأبسط قراءة في الفكر السياسي الإسلامي المعاصر، والفكر السياسي الإسلامي التاريخي تؤكد أنه ليس في الإسلام شيء اسمه الدولة الدينية، وأن الدولة بطبيعتها مدنية وينطبق هذا على الدولة الإسلامية ومن الأدبيات التي يعرفها طلاب الدراسات الإسلامية أن علماء المسلمين لم يصنفوا قضية الدولة ضمن مباحث العقيدة وإنما ضمن مباحث السياسة الشرعية ، وإيراد عدد من كتب العقيدة والكلام لقضية الإمامة ضمن مبحث العقيدة إنما جاء في سياق كلامي حجاجي للرد على من ذهب إلى أنها توقيفية أي أن النص الديني لا بد أن يعين الإمام وأن النبي صلي الله عليه وسلم قد أوصي وعين من سيخلفه وهذا مذهب الشيعة كما هو معلوم . من يقول بأن الصفة الإسلامية للدولة تتعارض مع مدنيتها يكشف عن فقر فظيع في بعض أوليات التاريخ الإسلامي منذ تأسيس أول دولة في الإسلام أي دولة المدينة التي بنيت منذ اليوم الأول على وثيقة دستورية أسست لمفهوم المواطنة حين أقرت بأن اليهود أمة مع المؤمنين لهم ما لهم وعليهم ما عليهم . ولهذا نعتبر أن الصفة الإسلامية تقوي مدنية الدولة. من يقول بأن الصفة الإسلامية للدولة تتعارض مع مدنيتها يكشف عن ضعف وفقر في المعرفة الأصولية وعلى تراث علمي كبير في التمييز بين تصرفات النبي صلى الله عليه وسلم بين ما هو بالوحي والرسالة وبين ما هو بالإمامة كما فصل في ذلك الإمام القرافي. الواضح أن هناك من يقصد بالصفة المدنية للدولة علمنة الدولة، واليوم الصفة الإسلامية للدولة وإمارة المؤمنين كما نص عليها الدستوري وتخصيصها بفصل خاص بعد أن كانت جزءا من الفصل 19 سابقا ينفي أي تأويل أو ممارسة لمفهوم الدولة الدينية الثيوقراطية، ولا يفهم الإصرار على وضع تعارض بين الصفة الإسلامية والصفة المدنية إلا بسعي أطراف داخل لجنة المنوني بعلمنة الملكية المغربية والدولة المغربية وتقويض أسس شرعيتها التاريخية، ويصدق ما راج وما رشح عن بعض توجهات أعضاء اللجنة. ويبدو أنه أصبح من اللازم أن تنشر مداولات لجنة المنوني على الرأي العام كي تتضح المواقف والتوجهات ويحكم الشعب المغربي. اليوم تتأكد التخوفات والانتقادات حول تركيبة اللجنة ، وغلبة طيف إيديولوجي عليه ، ولكن لحسن الحظ أنه كانت هناك آلية سياسية وأن الأمر في نهاية المطاف رجع إلى التقدير الملكي . وإذا صح أنه كان لحزب العدالة والتنمية دور في الضغط في إعادة الأمور لنصابها فتلك مفخرة نعتز بها، ولكننا على يقين أنه بدون حركة التوحيد والإصلاح أو العدالة والتنمية فإن الشعب المغربي لم يكن ليقبل بمثل هذه التوجهات، ومن جديد إذا صح ما نسب للطوزي وما رشح عن اللجنة فهو أمر يدعو إلى القلق حول هذه اللجن التي لا نفهم أحيانا ما هي المعايير التي اعتمدت في تنصيب بعضهم حتى إن بعضهم صار مثل الجوكير الذي تجده في عدد من المجالس، هذه اللجان التي ينزل فيها بعض الأعضاء بالمظلات وينصبون في مسؤوليات حساسة تقرر في مصير الشعب المغربي وفي عدد من القضايا ذات الصلة بحياته العامة، وحقيقة قدرتهم على فهم حقيقة هذا الشعب وتاريخه وحاضره وتطلعاته . ✪ في مسار تأصيلكم للرؤية السياسية داخل حركة التوحيد والإصلاح، والورقة المذهبية لحزب العدالة والتنمية، ما هي الاجتهادات التي انتهيتم ليها بخصوص طبيعة الدولة التي تتطلعون إليها؟ ✹ جانب من الجواب على سؤالكم متضمن في بعض ما أشرت إليه , في وثائق الحزب وخاصة أطروحة النضال الديمقراطي هناك تنصيص واضح على أن الدولة الإسلامية دولة مدنية ، وأن المرجعية الإسلامية للدولة لا تعني بأي حال أن الحاكم يحكم بتفويض إلهي , ثانيا نحن نميز بين الشريعة أي بين الأحكام التي يستنبطها الفقهاء من أدلتها التفصيلية فيما له علاقة بالقضايا العامة وفي هذا المستوى تتعدد المذاهب الفقهية أي أننا هنا التقاء بين النص المرجعي وبين الاجتهاد البشري الإنساني ، وبين القانون الذي هو صياغة وضعية اجتهادية للأحكام أو مقاصد الأحكام أو هو إنشاء لحكم بناء على المصلحة المرسلة أي ولو لم يوجد نص من قرآن أو سنة في القضية , نقصد بذلك أن القانون بطبيعته وضعي ولو كانت مرجعيته دينية ، خاصة وأنه في الدولة الحديثة يصدر عن البرلمان الذي يمثل السيادة والإرادة الشعبية , كما نقصد أن الدولة بطبيعتها مدنية . أما فيما يخص حركة التوحيد والإصلاح فتكفي الإشارة إلى أن مذكرتها للإصلاح قد دعت إلى تركيب خلاق بين المرجعية والديمقراطية ، وأنه لا يوجد في أدبياتها دعوة لدولة تحكم باسم الحق الإلهي أو شيء من ذلك بل إن عددا من مقترحاتها اتجهت نحو دمقرطة الحقل الديني نفسه . ✪ يعتبر الدكتور طه عبد الرحمان أن الحداثة حداثات، إلى أي حد يمكن البناء على هذا القول للتأصيل لدولة حداثية تقوم على المرجعية الإسلامية؟ ✹ فعلا هناك من يريد أن يلبس الحداثة بطابع علماني لا ديني والواقع أن التجربة السياسية الأوروبية لا يذهب كثير منها ضمن هذا التوجه المتطرف . طرح الدكتور طه عبد الرحمن الذي يتحدث عما يسميه بـ"إبداع الحداثة" طرح مبدع، وذلك يعني أن الحداثة ليست وصفة جاهزة وأن قدرها هو أن تنتج التصور العلماني المتطرف الذي ساد خلال فترات كما هو الشأن في النموذج الفرنسي . من الممكن حقا أن نبدع حداثنا لأن الحداثة هي معطي تاريخي وليس ماركة مسجلة ولا تخضع لقانون الملكية الفكرية وإنما الممكن أن نخلق "جنيسا" لها ، هي بالأساس منهج فكري يقوم على العقلانية فلسفيا ، وعلى العقلانية سياسيا أي على تحرير العقل من الكهنوت وتحرير السياسة من الاستبداد ، وفي السياق الأروبي كانت تعني التحرر من الكهنوت الكنسي ونظامه المعرفي ، وهذان المقومان هما جوهر الرسالة الإسلامية وأحد مقاصدها , وهذا النزوع التحرري هو الذي يشير إليه قوله تعالى: }لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة. رسول من الله يتلو صحفا مطهرة فيها كتب قيمة{. وكل الحداثات انطلقت من البناء على أصول أو إعادة قراءة للتراث، والحداثة الغربية اليوم تعود كي تبحث عن إحداثيات كما يشهد لذلك عودة المرجعيات الدينية في تحديد الانتماء الحضاري والهوياتي وفي السياسات العامة. ولذلك، لا نجد حرجا في القول بأنه من الممكن بناء حداثة في ظل المرجعية الإسلامية، وبناء دولة حديثة في ظل المرجعية الإسلامية، ودولة مدنية في ظل المرجعية الإسلامية ، فقط هذا موقوف على التحرر من التقليد وهو استعداد ثقافي متأصل حتى عند بعض أدعياء الحداثة.
|