|
|
|
|
|
أضيف في 24 فبراير 2012 الساعة 39 : 11
المصلحة العليا للوطن لم تعد تسمح بالخطأ في الحسابات السياسية
قبل إجراء الانتخابات التشريعية في 25 نونبر 2011، كانت للإسلاميين رهانات خاصة بكل فصيل. فبالنسبة إلى حزب العدالة والتنمية، كان يراهن على حركة 20 فبراير لتحقيق مكاسب سياسية تخدم تطلعه إلى احتلال صدارة الانتخابات، ومن ثم قيادة الحكومة. لهذا حرص الحزب على التهديد بالنزول إلى الشارع والالتحاق بالحركة الاحتجاجية التي يقودها شباب 20 فبراير من أجل التغيير عند اصطدامه برفض مطالبه أو مقترحاته، سواء في ما يتعلق بالتعديلات التي اقترح تضمينها الدستور الذي كان قيد المراجعة، أو قوانين الانتخابات؛ ثم ظروف إجراء الانتخابات بما يضمن الشفافية. إذن، الحزب كسب الرهان، وها هو يقود الحكومة في أول تجربة له بفريق وزاري (12 وزيرا بمن فيهم رئيس الحكومة) يقارب نصف أعضاء الحكومة، إذا استثنيا الوزراء الخمسة الذين هم بدون انتماء، أو ما بات يعرف بوزراء السيادة. أما جماعة العدل والإحسان، فقد راهنت على حركة 20 فبراير لتحويلها إلى نواة ثورة شعبية ضد النظام تعم أرجاء الوطن ولا تتوقف إلا بإسقاطه. على هذا الأساس، انخرطت الجماعة بفاعلية داخل الحركة محاولة اختراقها والتحكم فيها. نحن، إذن، أمام رهانين: رهان التغيير التدريجي من داخل النظام وبالتنسيق معه، ورهان التغيير الجذري من خارج النظام لإسقاطه. وحين أدركت الجماعة أن مواصلة وجودها داخل حركة 20 فبراير استنفد مهامه وبات رهانا خاسرا، قررت الانسحاب وتغيير أشكال الاحتجاج وأساليب الضغط بهدف تطويق حكومة حزب العدالة والتنمية بمشاكل لا قبل لها بها. انطلاقا من هذه الإستراتيجية الجديدة التي وضعتها جماعة العدل والإحسان، والتي تقوم على تأجيج الاحتجاجات الاجتماعية والركوب عليها بما يزيد قوة الضغط على الحكومة قد تتحول، على المدى القريب، إلى انتفاضة شعبية؛ (انطلاقا من هذه الإستراتيجية) وظفت الجماعة بعض عناصرها لجر المحتجين ضد غلاء فواتير الماء والكهرباء والمجازين العاطلين إلى مواجهات عنيفة مع القوات العمومية، وهذا ما تفطن إليه رئيس الحكومة، فوجه تحذيرا مباشرا للجماعة كالتالي «فمنطق التأجيج ومحاولة الركوب على الإشكاليات الاجتماعية الموجودة في المجتمع والتي جئنا إلى الحكومة بسببها لكي نعالجها هي أشياء غير مقبولة». إن الوضعية الجديدة التي بات عليها حزب العدالة والتنمية جعلته في مرمى جماعة العدل والإحسان من زاويتين: الزاوية الأولى: تتعلق بتحميل حزب العدالة والتنمية مسؤولية إضاعة فرصة تاريخية على الجماعة لتغيير النظام الملكي عبر موافقته على الدستور الجديد، وذلك في الرسالة التي وجهتها الجماعة للحزب وذراعه الدعوية حركة التوحيد والإصلاح، حيث جاء فيها «إن تزكيتكم ودفاعكم عن هذا الدستور كانا مساهمة في الالتفاف على المطالب الحقيقية للشعب، ومساهمة كذلك في تضييع فرصة ليست بالهينة، مع العلم أن الفرص الكبرى لا تدوم إلى الأبد»، إلا أن رد الحزب لم يتأخر طويلا، فجاء على شكل تهديد مباشر للجماعة على لسان رئيس الحكومة والأمين العام للحزب، من أنه وحزبه وعموم المغاربة لن يسمحوا للجماعة ولغيرها باستهداف ثوابت الدولة المغربية. الزاوية الثانية: تتعلق بتعامل الجماعة مع حزب العدالة والتنمية كأداة يوظفها النظام ضد الجماعة. وباعتبار الحزب يقود الحكومة الحالية، فإنه لن يخرج عن الإطار الذي يحدده الدستور لكل حكومة ملزمة بفرض احترام القانون ضمانا للأمن وحماية للممتلكات العامة والخاصة. من هنا توجه الجماعة على لسان فتح الله أرسلان، الناطق الرسمي باسمها، اتهاما مباشرا لحزب العدالة والتنمية بأنه ينفذ أوامر النظام «من جانبنا، ليست لنا مشاكل لا مع الحكومات السابقة ولا الحكومة الحالية لسبب بسيط هو اعتبارنا أن الحكومات في المغرب ليست هي التي تحكم إنما هي أداة تنفيذ في يد الجهات الحاكمة حقيقة. وكل تصرفات الحكومات تجاهنا، سواء في اتجاه التصعيد أو المهادنة، فهو لا يخرج عن هذه الوظيفة التنفيذية». جريدة «أخبار اليوم» 10-02-2012.
إن هذه المتغيرات على الساحة السياسية تعيد ترتيب أوراق الإسلاميين من جديد وتخضعهم لفرز جديد، لكن على أساس اختلاف المواقع السياسية وليس وحدة المرجعية الدينية، إذ رغم الاختلاف بين الهيأتين في الاجتهادات، لم يكن واردا دخولهما في مواجهة مكشوفة، وإن كانت مازالت في بداياتها الأولى، لأن الجماعة لم تخف إصرارها على مواصلة الاحتجاج وتغيير أساليبه بما ينذر بالتأجيج والتصعيد طالما لم يتغير جوهر النظام، كما جاء على لسان فتح الله أرسلان، فالجماعة تغير تكتيكاتها وأساليبها في مواجهة النظام وفق ما تراه يخدم إستراتيجيتها، فحين قررت المشاركة في حركة 20 فبراير كانت لها أهداف محددة، لكن حين تبين لها أن لا جدوى منها قررت وقف المشاركة مع مواصلة الاحتجاج وتنويع أساليبه وأشكاله. من هنا، فالتطورات التي تعرفها الساحة السياسية المغربية مفتوحة على مسارين: المسار الأول: يكون سالكا في حالة تمكن حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة، من إنجاز جزء هام من البرنامج الحكومي دون إفشال متعمد لتجربته. في هذه الحالة، سيعزز الحزب خيار المشاركة بين أطياف التيار الديني بجناحيه السلفي والإسلامي. الأمر الذي سيحدث انقساما في صفوف هذا التيار، ويجعل من خيار المشاركة قوة سياسية داعمة للنظام في إصلاحاته وخصما لخيار المقاطعة الذي ستتقلص كتلته وتنحصر شعبيته، وسيكسب النظام حليفا ينوب عنه في التصدي لخصومه ديمقراطيا. المسار الثاني: قد ينفتح في حالة فشل حزب العدالة والتنمية وأدرك أن النظام غير جاد في الإصلاح أو متردد في دعمه، خصوصا أن الحزب يراهن على محاربة الفساد رافعة للإصلاح ومصدرا لتمويل المشاريع المقترحة. سيقاوم الحزب ما استطاع، لكن قواعده لن تتردد في الدفع به إلى الالتحاق بجبهة الرفض وخيار المقاطعة، إذا ما سدّت الأبواب في وجوههم. في هذه الحالة، ستتقاطع مرحليا مصالح حزب العدالة والتنمية مع جماعة العدل والإحسان وكذا التيار السلفي الذين سيجمعهم الشارع للتعبير عن احتجاجاتهم، ورفضهم للواقع السياسي الذي ينخره الفساد والاستبداد، ولن يكون بمقدور أي طرف التحكم في مسار الاحتجاجات والأبعاد التي ستتخذها. لهذا، سيكون على النظام/الدولة الدفع بمسلسل الإصلاح وتمكين الحكومة الحالية من أدوات تنزيل بنود الدستور وتطبيق الإصلاح بما يرجع الثقة إلى المواطنين في العمل السياسي ويكسب المؤسسات الدستورية مصداقيتها المفقودة بفعل عقود التزوير. إن المصلحة العليا للوطن لم تعد تسمح بالخطأ في الحسابات السياسية، خصوصا في هذه المرحلة التاريخية التي تشهد يقظة الشعوب وتحررها من سلطان الخوف، وهي التي كانت تخشى هراوات البوليس فلم تعد ترهبها حتى دبابات الجيش وطائراته الفتاكة. لا خيار، إذن، أمام النظام وكل الفاعلين السياسيين إلا إنجاح الإصلاح وتكريسه واقعا يعيشه المواطنون ويجنون ثماره.
بقلم : سعيد الكحل, أستاذ باحث
|
|
2403 |
|
0 |
|
|
|
هام جداً قبل أن تكتبو تعليقاتكم
اضغط هنـا للكتابة بالعربية
|
|
|
|
|
|
|
|