في دردشة مع صديق عزيز أعتبره من العقول الحرة والنيرة، أثار مسألة غاية في الأهمية. تحدث هذا الصوفي المتخصص في ابن عربي، عما سماه «اليسار الصوفي»، على أنه لن ينتمي إلى اليسار المغربي إلا إذا استوعب خصوصية الثقافة التي يعمل من داخلها، وصار صوفيا.
«اليسار الصوفي»! أعترف أنها عبارة صادمة للطهرانية اليسارية وأنصار النقاء الإيديولوجي ومحاربة الممارسات الغيبية. عبارة لايستسيغها العقل اليساري المرتكِن إلى الاطمئنان إلى يقينياته. لهذا أريدها ورقة صادمة ومزعزعة لليقينيات المتجمدة، ودعوة إلى السؤال وإعمال العقل من أجل فتح أفق جديد يروم تأسيس يسار محلي نابت في تربة عقيدة الأمة المغربية الخصبة بإرثها الصوفي.
عرجت دردشتي مع صديقي على الأطروحة المؤسِسة لـ«الماوية» القائلة بانفتاح النظرية الماركسية على التراث الوطني والثقافة المحلية، وأن اليسار المغربي يمكن أن يعمل بهذه الأطروحة شريطة تجاوز الوثوقيات الإيديولوجية المسكونة بالتوتاليتارية وحكم الواحد الذي لا آخر له.
حان الوقت لينفتح اليسار على عقيدة الأمة والممارسات الدالة المرتبطة بها، وينقل المواجهة مع الحركات الإسلامية إلى الملعب الذي برعت فيه إلى حد الان؛ وذلك حتى يتشكل يسارا مغربيا بما تعنيه هذه التسمية من انتماء إلى الأرض والثقافة المحلية، عبر التخلص من نزعته الغربية، واختيار الانتماء الحقيقي إلى الناس الذين يوجد معهم وبهم، ويتوجه إليهم.
انفتاح اليسار على الصوفية لا يعني أن ينقلب اليسار إلى زاوية أو ممارسة طرقية حتى ولو كانت طرقية جديدة. هذا اختيار اختارته جهة أخرى. الانفتاح على الممارسة الصوفية يعني إنعاش الصعيد الثوري في الإرث الصوفي الإسلامي. إنه الإعلاء من شأن الفرد وقيمته والاحتفاء بممارسته للوجود وحريته في التوجه إلى الحق (الله) والعالم، على أساس معرفة أن الصوفية هي مختبَر تشكُّل الفرد في علاقته المعقَدة بالآخر الأكبر (الحق)، باعتبار هذا الآخر ضامنا للوجود الرمزي لذلك الفرد ومغامراته في الدنيا. زيادة على أن الصوفية عدو للوثوقية ومواجهة دائمة مع فقهاء الرسوم والتحجير، وأنها ممارسة تحررية تقوم على مناهضة جميع النزعات الأصولية والسلفية، وفعل زمني لا يتوقف عن الانفتاح على المستقبَل، واحتفاء مستمر ببدعة جميلة اسمها الدنيا، والإقبال عليها في مواجهة نزعات الزهد وتحريم العالَم.
انطلاقا من هذا الفَرْض يأتي القول بتأسيس يسار منغرس في تربة انتمائه الروحي إلى المغرب، يسار في إنصات دائم لما يعتمل في دواخل المغاربة من خلال:
-تحرير صلة الفرد بخالقه من سائر الوسائط والوصايات
-التجديد المستمر لعقيدة الأمة، وأن الخير كل الخير في الخلف وليس في السلف
-تكريم الفرد باعتباره مَظْهَرا للظهور المستمر للحق وصفاته في الدنيا
-الاحتفاء بالأنوثة والمؤنث
-الإعلاء من شأن الإبداع والخلق وإطلاق العنان لسائر الفنون
جمال زايد