عودنا حميد شباط الكاتب العام لنقابة حزب الاستقلال على خرجاته المحسوبة وغير المحسوبة، القانونية واللاقانونية، والممنهجة وغير الممنهجة، والتي تحمل في بعض الأحيان طلبات معقولة، وفي كثير من الأحيان طلبات لا علاقة لها بالواقع ولا بالسياسة. فيمكن للمراقب أن يسجل لشباط نجاحه في رفع صفة النقابة الصفراء عن الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، الذي كان يعتبر في عهد صولة الاتحاد المغربي للشغل والكونفدرالية الديمقراطية للشغل، جزءا من الباطرونا، تخاف حتى من المخازنية، وبدون قاعدة عمالية متينة، لأن العمال ببساطة لم يكونوا يثقون فيها. ويمكن كذلك أن نسجل لشباط الذي تعود على الخرجات الفلكلورية بقلعته بفاس خلال الحملات الإنتخابية، حيث تمكن من ضمان مقعد برلماني له ولزوجته، أنه أسس لممارسات نقابية تختلط فيها المطالب النقابية بالمطالب السياسية، ويتحول فيها العمل النقابي في كثير من الأحيان إلى ورقة ضغط في يد الحزب يلعب بها كما يشاء في سبيل تحقيق مكاسبه السياسية. لكن ما لا يمكن أن نفهمه هو كيف يقدم شباط على تحريك ملفات نقابية في الوقت الذي يتحمل فيه حزب الاستقلال المسؤولية في تدبير الشأن العام، بل أكثر من ذلك كان يرأس الحكومة السابقة ومطلع على جميع الملفات. فشباط باحتلاله مقر إدارة المكتب الوطني للتكوين المهني يكون قد أسس ثقافة جديدة في العمل النقابي، لأنه لم يجرؤ أي زعيم نقابي من قبل على احتجاز موظفين داخل بناية عمومية، مهما كان حجم المشاكل، والتفسير الوحيد الذي يمكن أن نعطيه لسلوك نقابة حزب الاستقلال هو أنها تلعب اليوم دورالعجلة الاحتياطية للحزب، وهو نفس السلوك الذي دأب على اعتماده حزب العدالة والتنمية، الذي يخرج مجموعة من الأوراق في سياق اللعب على الحبلين، لأنه من غير المقبول أن يحتل شباط مقر مؤسسة عمومية ويعتدي على موظفين أبرياء لا ذنب لهم سوى أنهم تواجدوا في المكان الخطإ وفي التوقيت الخطإ، وهو ما يؤشر على انزلاقات خطيرة غير محمودة العواقب، وقد تهدد الأمن العام والاستقرار السياسي للمغرب، لأن مثل هذه الممارسات التي تقترب كثيرا من "البلطجة" تؤسس لتقاليد جديدة في العمل النقابي، وقد يلجأ نقابيون غدا إلى احتلال مقر جماعة فاس التي يديرها شباط منذ سنوات. قد نفهم أن يقتحم معطلون مقرات مؤسسات عمومية، ويعتصمون فيها، وقد نستوعب سلوكا من هذا القبيل إذا قام به معطلون يبحثون عن العمل لصون كرامتهم، لكن أن تقوم به نقابة، ويباركه زعيمها البرلماني والقيادي في حزب بشارك في تدبير الشأن العام، فإنه أمر غير مقبول وسعي إلى اللعب بالنار التي قد تحرق الأخضر واليابس. فما قام به شباط يتعدى المطالب النقابية، بل ويخرج عن نطاق جميع الأعراف، ويدخلنا في نوع من العبثية، التي لن تفيدنا في شيء بقدر ما ستكون عواقبها وخيمة على البلد، لذلك فإن شباط ومن خلاله حزب الاستقلال يجب أن يفهم بأن اللعب على الحبلين سلوك لا يستقيم، وأن المغاربة لديهم من الوعي ما يجعلهم قادرين على فهم كل سلوك غير سوي يعرفون مسبقا أن وراءه ما وراءه.