بعد أن فرت إلى المقاطعة، لأنها تخشى أن تفضحها صناديق الاقتراع، لجأت العدل والإحسان إلى الافتراء والإدعاء ضد كل أولئك الذين خرجوا في المسيرات المؤيدة للإصلاحات الدستورية...
ولأنها لم تعد تجد موطأ قدم لها في الساحات العمومية التي ألفت الاحتجاج فيها، ولم تجد ما تبرر به دعوتها إلى مقاطعة الدستور "الممنوح" (هكذا تسميه)، بعد أن تشابه البقر عليها، وداخ أتباعها بين "القومة" المزعومة للشيخ و"الجمهورية" الوهمية لابنته، التي أصبحت أشهر من نار على علم في أثنينا، شرعت الجماعة ــ هذه الأيام ــ في توزيع الاتهامات على الناس، ظلما وعدوانا، على كل الناس الذين عبروا عن فرحتهم بالدستور الجديد، فاتهمتهم تارة بالعمالة للأجهزة الأمنية، وقالت تارة أخرى بأنهم من العاملين فيها، وكأن شعبا كاملا وأحزابا ونقابات وجمعيات تحول إلى مخابرات وبصاصين لمجرد أنهم لم يركبوا "هوى" الشيخ عبدالسلام ياسين، ولم تغويهم تصريحات ابنته، وبلاغات الناطق الرسمي باسم الجماعة، وشبيبتها التي تحب أمريكا جدا جدا وتتغذى مع موظفي سفارتها كل أسبوع من أجل "تسويد" صفحة هذا البلد، الذي يقتاتون من خيراته، في سجلات العم السام... غير أن الحيلة لم تنطل عليه هذه المرة، بالرغم من دموع التماسيح الكثيرة التي ذرفتها الجماعة أملا في أن تنتقد الإدارة الأمريكية هذا المشروع.
وهل بمقدور الجماعة أن تحذو حذو ماجاء به هذا المشروع، الذي ألغى طابع القداسة عن شخص الملك، في أول دستور يُعرض على الشعب في عهد محمد السادس، فتزيل طابع القداسة التي تسبلها على زعيمها؟
وهل بمقدور الجماعة أن تتقيد بتعاليم الشريعة، مادام هذا الدستور ــ الذي سوّى بين الرجل والمرأة ــ إلى المزبلة كما تقول، فتزيح نادية ياسين، التي تطمح لخلافة والدها من الواجهة، لأن الله سبحانه وتعالى جعل إرث امرأتين كإرث رجل واحد وشهادة امرأتين كشهادة رجل واحد، ولأنه جاء في الحديث الشريف أن النساء ناقصات عقل ودين؟
فلماذا ترفض الجماعة هذا الدستور الذي عمل بقول الرسول (ص) "ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم"؟
هل بمقدور الجماعة أن تلغي كل الرتب والدرجات و"النياشين"التي تُمنح للمريدين والأتباع، وتسوي بينهم كما سوى الدستور بين ولي العهد وسائر الشعب في سن الرشد؟