مر عام على حدث 20 فبراير، فطوبى للذين أتوا المغرب بقلب سليم، طوبى لكل الذين آمنوا أن المغرب قابل للتطور خارج كل التصورات المستوردة، وطوبى للذين آمنوا أن التراكم والتدرج في البناء الديمقراطي يمكن أن يعطي للبلاد مؤسسات ذات مصداقية قابلة للحياة.
أن بالدم الآن بعد عام من الصياح والصخب اختار المغرب طريقه وربيعه الذي يشكل خريفا لمخططات الذين آمنوا والدمار والجثث والخراب والكتائب، نعيد بناء المغرب الديمقراطي الذي نحب.
لقد مر عام كامل، وهي مسافة كافية لكي نقوم بإعادة قراءة الأحداث وتصورات الفاعلين بعيدا عن صخب الصياح والكذب والإدعاءات العشوائية.
في ذكراها الأولى لم تبرح الحركة مسلسل الكذب حول عدد المحطات التي تخلد الذكرى وأعداد المشاركين فيها، فكما حدث في أول يوم حدث في آخر يوم، لقد روجت مجالس المساندة أن الذكرى الأولى سوف تخلد على مستوى 80 نقطة، وقالوا كذبا أن من بين النقط مدن بن أحمد وعين اللوح، تمحضيت، سبت جزولة، انزكان، الرشيدية، أيت اورير، بوعرفة، مارتيل، سلا، تمارة، القنيطرة، سيدي يحيى، سيدي سليمان، سيدي قاسم، قلعة مكونة، أيت عميرة، غفساي، الدريوش، الكارة، زاوية الشيخ كاسيطة، عقا، أزمور، المحمدية، بولمان، العيون، الرباط العكاري والرباط يعقوب المنصور… ولكن هذه المدن وحمامها ومتسكعيها شاهدون على كذب الحركة.
يوم الأحد 19 فبراير لم تصل المناطق المعلنة حتى إلى النصف ولم يتجاوز عدد الخوارج حتى رقم 4000 شخصا ناهيك عن الإعتصامات المعلنة في طنجة والرباط وامزورن والعرائش التي لم تر النور.
الأحد 19 فبراير على الساعة التاسعة ليلا انتهى الكارنفال في مجموع التراب الوطني، المشاة في كل مكان أخدهم الحنين إلى المغارات والحواري، حيث يمارسون خصوصيتهم التي من أجلها لفظهم الشعب فأكثرهم علما لا يعود إلى مربضه إلا وهو في السماء السابعة.
قبل عام كان الجميع ينتظر ماذا سوف يتمخض عنه أول أيام المشي والصياح، وحده المخزن كان يعرف أنها ميتة حتى قبل أن تولد لأنه يعرف القدرات التعبوية لكل أطرافها، لقد وضع يوم 19 فبراير تصورا قبليا لخريطة 20 فبراير بكل تفاصيلها حد الملل، وحتى لا يتم تشويه التصور القبلي فقد صدر التوجيه بترك المشاة والصارخين يمارسون حريتهم في المشي والصراخ بالكافي حتى يعرف الرأي العام الداخلي والخارجي واقعهم على حاله.
وانتظر الجميع مشاة الأحد في الصباح والعشي، وكانت هناك محطتان تستأثران باهتمام إعلامي زائد في مقدمتهم الرباط والبيضاء .الأهم كان ترك الناس تمارس حريتها ولو بجرعة زائدة ذلك اليوم حتى تعرف الأشياء على علاتها لأن لعشرين فبراير ما بعدها، فحتى المخزن كان يريد أن يعرف مدى غيرة الذين استفادوا من كل المراحل، وخصوصا العشرية الأخيرة على استقرار البلاد ومواقفهم الحقيقية التي سوف يمارسونها بدون إكراه في الشارع العام.
لقد أعلنت الدولة أكبر عملية في تاريخ المغرب المعاصر للتنفيس الجماعي في الأسواق الأسبوعية ل 20 فبراير، فبعض الناس أصبحوا يمارسون حياتهم العادية طوال أيام الأسبوع يعدون ثرواتهم و يدافعون عن مصالحهم ويوم الأحد يمارسون نزهة الخاطر في شارع 20 فبراير درءًا للأخطار المحتملة في المستقبل حتى لا يفقدوا مصالحهم، وهكذا كان خرج بعض كبار الأغنياء وفي مقدمتهم كريم ريش بوند، فمن هو الرجل ولماذا خرج وعاد؟
الرجل غني وهو على رأس هولدينغ العائلة الذي لم تقل مداخيله خلال سنة 2011، رغم الأزمة عن 50 مليون درهم. شركات العائلة تشتغل في ظروف جيدة، الرجل يمارس حياته في العُلا، في الصيف يحرص على أن يكون في المضيق قرب علية القوم، ويملك علاقات واسعة مع وزراء داخلية سابقين، ووزراء أولين ووزراء سابقين كانوا نافذين وكبار الأطر المسيرة للتجمعات الاقتصادية الكبرى.
بعد دراسة في البعثة الفرنسية ودراسة عليا في القانون الدولي بالخارج عاد الرجل وقاد عملية تحديث المقاولة المتوسطة التي بناها أبوه، وبعد عشر سنوات، المقاولة المتوسطة أصبحت هولدينغ تطور بسرعة البرق. بعد تطور الرجل في التسيير بعد حصوله على دبلوم “م.ب.أ” من إحدى الجامعات الأمريكية.
القطاع الذي يستثمر فيه لا يعاني من منافسة شديدة أو من استثمار منافس للتجمعات الاقتصادية الكبرى. الأكثر من هذا يمارس حياته بانفتاح كبير على الملذات واللحم الحي بكل أصنافه وألوانه وأعماره، يملك يختا يمارس على متنه عشقه للمحيط الأطلسي، وأبناؤه يدرسون في أرقى المدارس والجامعات الغربية، ماضي أبيه في الحزب الشيوعي الفرنسي لم يتعلم منه إلا ما هو ثقافي في رفضه لطقوس اللاهوت التي يعيشها المسلمون شهرا في العام، ولكن مع ذلك فهو يُكَفِّرُ عن ذلك بتوزيع ما تيسر من زكاة الأغنياء على ما تيسر من فقراء المسلمين تحت الضوء المكثف للإعلام ماشي لله في سبيل الله، بل في سبيل الفايس وتويتر والورقية التي تنتظر الإعلانات بعد أن حصلت عليه إحدى الإلكترونيات.
يوم الأحد 20 فبراير 2011 حرص كريم التازي على أن يحضر في الرباط والدار البيضاء حتى يعيش الزمنين، زمن السياسة وزمن الاقتصاد. لقد اكتشف حيوية الشباب والشابات، وتطوع من أجل حسابات المستقبل بخمسة حواسيب تكلف بتوزيعها محمد العوني، المنسق العام للمجلس الوطني الانتقالي للثورة المغربية، كما قدم الرجل دعما عينيا إلى الثوار في البيضاء عن طريق الثائرة غزلان بن عمر. لحد الآن لا أحد يعرف المبلغ بالضبط لأن حساسية الظرف لم تكن تسمح آنذاك بضبط الحسابات بمداخيلها ومصاريفها. الجميع في 20 فبراير كان يلهف الإعانات ويدعي صرفها، ووحدها إعانات سمير عبد المولى وصلت مبتورة إلى ميزانية 20 فبراير، رغم أنه صرف أمثالها أضعافا مضاعفة من أجل تنشيط الدورة الدماغية لناشطات وناشطي 20 فبراير في فنادق طنجة عوض تمويل لقاءات تمكن شباب وشابات 20 فبراير من تعميق فهمهم للأشياء في المغرب ومحاولة تشريح الشعارات التي يرفعونها في شارع 20 فبراير، ومعرفة تفاصيل تأثيراتها على تماسك المجتمع المغربي وحقيقة توازن مؤسساته.
بالموازاة مع التمويل اختار كريم التازي أن يكون فاعلا بماله وثروته في جلب الأطر الأساسية داخل حركة 20 فبراير، وذلك من خلال عقد جلسات تحضيرية في مقر “ريش بوند” لخلق المنتدى الوطني للتغيير، ليكون بديلا للمجلس الوطني لدعم حركة 20 فبراير، الذي أسسه العوني في الرباط، وبعد جلستين تحضيريتين ومجموعة من الورشات انتهى المجلس الانتقالي للثورة، الذي كان سيرأسه التازي إلى خبر كان، إذ أن خطاب 9 مارس كان حاسما في نهاية الحلم، خصوصا وأن زوار الضرائب الذين بعتهم صلاح الدين مزوار إلى المقاولات الكبرى من أجل جباية أموال إضافية لميزانيته فهمتها العائلة على أنها ضربة مقصودة موجهة إلى المشروع العائلي لـ”آل التازي” بحكم النشاط الثوري لكريم، فصوت التازي للدستور وخرج من رحاب المقاطعين الذين رباهم داخل الاشتراكي الموحد عندما تحالف مع أرضية “من أجل يسار مواطن”، التي صاغتها مجموعة بوعزيز ومفتاح، والذي ظهر فيما بعد أنها أرضية الأقلية داخل الاشتراكي الموحد، على الرغم من أنها مصاغة من النواة الصلبة لقادة منظمة 21 مارس والمقربة من القائد التاريخي محمد بن سعيد آيت إيدر.
لقد رجع التازي إلى قصره في دوار الضرابنة في بلدة بوسكورة في البيضاء ، حيث يتوفر على مجموعة حدائق منها الحديقة الأندلسية والحديقة الإستوائية التي صممها أحد أكبر مهندسي الحدائق البريطانية واحتفل بعيد ميلاده الخمسين في 2010، وجند طوابير من ساكنة الدوار كعلامات تشوير من أجل إيضاح الطريق إلى قصره لأن كل زواره لا يعرفون عن “الضرابنة” إلا قربها من مسيو بريكولاج، وهكذا كانت السيارات الفارهة تقف عند مسيو بريكولاج، ويتلقفها فقراء “الضرابنة” المبتوتين كـ”البانوات” على طول الطريق حتى مشارف قصر القائد الثوري في قلب دوار “الضرابنة” ليعيشوا على نغمات المعلم الكناوي حميد القصري.
الحفل الذي حضره الوزراء ومدراء كل المؤسسات الكبرى، وحدها شوميشة صاحبة برنامج الطبخ لم تحضر رغم ولعها بفضاءات “ريشبوند”، ليتها حضرت وتعرفت على حفيظة، حافظة وكاتمة السر، التي لم يطلها المصير الذي طال مدام بنمخلوف. من لم يصدق بهتان “أكورا” حول المواطنين الذين نبتهم على طول المسار المؤدي من مسيو بريكولاج إلى قصره في “دوار الضرابنة” فيمكنه أن يتأكد من كذب “أكورا” عند وزير الداخلية الأسبق شكيب بن موسى، أو كاتب الدولة في الداخلية الأسبق سعد حصار، أو الوزير السابق والحالي نزار بركة أو الوزيرة السابقة ياسمينة بادو، وزوجها صاحب الماء والكهرباء والكرة، أو الوزير الاتحادي السابق أحمد الشامي، أو الوالي السابق لمراكش منير الشرايبي، أو الرئيس المدير العام لبنك السياش أحمد رحو، أو المدير العام للبنك الشعبي محمد بن شعبون والقائمة تطول.
بعد الدستور جاءت الانتخابات وصوت صاحبنا للحزب الذي يراه المغاربة ذو مصداقية لقيادة التغيير، ورغم أنه من اليسار المواطن وغير متدين، ويقول بعض مقربيه أنه ملحد فإنه صوت لحزب إسلامي وعمل كل جهده من أجل إنجاح المشاورات وتوسيع رقعة تحالفات حكومة بن كيران.
فعلى الرغم من أنه يكره اليوسفي ويكره الاتحاديين، فإنه عمل كل ما في جهده حتى يدفع صديقه الوزير أحمد الشامي في حكومة بن كيران.
اعترافا بخدماته اقترح عليه بن كيران في إطار الوضوح أن يكون وزيرا في حكومته ويأخذ قطاعا مهما، لكنه رفض بحجة أن الناس سوف تصنفه في خانة الانتهازيين، وإن كان أنه قال أنه مكلف بتسيير المقاولة العائلية، والحقيقة التي لم يقلها أنه يريد أن يبقى في حكومة الظل أي أن يكون مستشارا غير معلن لرئيس الحكومة مثلما فعل أيام إدريس جطو، يحرك الخيوط من بعيد، لأنه لا يمكنه أن يكون وزيرا باعتبار أنه حامل للجنسية الفرنسية منذ أواسط سنة 2010 ويخاف أن يطاله الفيتو من أجل ارتباطاته بالدوائر الفرنسية كما حدث لأحد الوزراء الذي خَرُفَ مستقبله السياسي نظرا لارتباطاته الإسبانية.
الرجل يريد أن يكون مستشارا غير معلن في النميمة السياسية، وأن تطال علاقاته كل النافذين من أجل الدفاع عن مصالحه، وفي نفس الآن يواصل نضاله في تويتر والفايس في انتظار الذي لا يأتي، والذي لم ينل منه إلا علاقات خاصة جدا جدا، ربما في يوم من الأيام تسقطه في أسفل سافلين بفعل خلطات الفحولة التي لا يكل من تناولها لكي يحافظ على توازن علاقاته الإنسانية المتكاثرة.
فحكومة النور التي كان يتمنى أن يتحكم فيها لم تر النور، وكل الوزراء الذين دفعهم إلى التوزير لم يكملوا المسار، وسقطوا في امتحان بن كيران ولم يبق له إلا بن كيران نفسه فسيوقره إلى حين. وعندما يتأكد أنه لن ينقاد إلى الأخذ بنميمته الاستشارية سيتولاه في الفايسبوك والصحافة الورقية، والإلكترونية التي يتحكم في عصبها، والتي مارس على كتابها الكبار غضباته التي جعلتهم صغارا لأنهم انبطحوا أمام صاحب الرأسمال المتسلط بثروته وقدسية مالكيه.
إنها منابر لا تكتب إلا كشوفاته في المناطق الأمازيغية، وأعالي البحار من أجل الدعاية الإعلامية. فبماذا ساهم كريم الثائر في الإجابة على كبرى المعضلات المغربية وهي التشغيل؟ لا شيئ. لقد أقفل الباب في وجه كل العاطلين من شارع 20 فبراير الذين منوا النفس بالاشتغال في مقاولة يقودها ثائر، ولا أحد تم تشغيله، حتى أن أحدهم طار فرحا عندما سمع أن كريم الثائر حدد له موعدا من أجل التشغيل، وبعدما طال انتظاره لم يجد أحمد إلا أحمدا ليشغله في منبره الإلكتروني كمتعاون حتى لا يفقد الأمل في الحياة (فإلى طردك كريم عند أحمد تبات).
فليس كل الذين مشوا في شوارع 20 فبراير غير صادقين فهناك الشرفاء في كل مكان، وحكاية كريم هي حكاية رجل انتهازي استفاد كآخرين من البلد وأهل البلد، وفي لحظة من اللحظات أراد أن يركب حيث لا يركب إلا الصادقون، أراد أن يكون من الثائرين وهو من الإزدرائيين، أراد أن يكون عنوانا للمستقبل وهو جزء من عنوان قضى.
مشكلته التي من أجلها خرج أنه يريد أن تكون كلمته مسموعة عند ذوي النفوذ، وأن يسمعوا أفكاره النيرة التي لا تنتج شغلا أو تطورا، وإذا حدث أن حادت أبصارهم عنه وعن سماع أفكاره النيرة يعود إلى الفايس فوك وإلى النميمة حول تدهور الأوضاع والاستبداد والاستكبار والاستهتار، والاستصغار، حتى يعودوا إليه وإلى لياليه مع المعلم حميد القصري، وإلى دوار “الضرابنة”، حيث لا يساوي المواطن الفقير عنده إلا “بانو” من أجل إرشاد زواره.
كل عام والثوار بخير وإلى حلقة الأسبوع القادم مع حديث الثورة ورجالها.
حمو اوليزيد الآكوري