|
|
|
|
|
أضيف في 20 فبراير 2012 الساعة 21 : 12
في مثل هذا اليوم من السنة الماضية، ولدت حركة 20 فبراير من رحم موقع التواصل الاجتماعي الفايسبوك، حركة قادها شباب تفاعل مع الربيع العربي، وقرر رفع شعارات اعتبرها آنذاك ضرورية ومفصلية من قبيل ملكية دستورية، ومحاربة الفساد والاستبداد، لكن وفي خضم هذا الحراك الشبابي أخرج كثير من السياسيين والصحافيين والحقوقيين رؤوسهم، ليظهروا بجلاء في البرواز، ويسطروا حضورهم في لحظة حاسمة من تاريخ هذه الأمة، وكان لافتا منذ اليوم الأول أن عددا من الذين شاركوا في المسيرات الأولى للحركة سواء بمدينة الرباط أو الدار البيضاء كان هدفهم أكثر من مجرد رفع مطالب اجتماعية أو سياسية، بل كان طموح كثير منهم تقويض دعائم الدولة. لقد ضمت هذه المسيرات كثير من الوجوه السياسية والإعلامية وحتى من عالم المال والأعمال، وجوه كانت تبحث عن مظلة للاحتماء من لهيب الثورة التي يمكن أن تعصف بالمغرب كما فعلت في تونس ومصر، وكان الخوف باديا على وجوه عدد من هؤلاء، ومع توالي الأيام والأسابيع، بدأت كل تلك الوجوه تغادر مواقعها، تارة بسبب تغير مسار الحركة، وتارة أخرى بسبب خلافات إيديولوجية، وفي كثير من الأحيان بسبب خفوت وهج الحركة التي تحولت إلى عادة أسبوعية كما لو كانت قداس يحضره بضع عشرات من المؤمنين، وبعدما تأكد موت الحركة، قرر كل أولئك التجار إغلاق دكاكينهم والبحث عن ملاذ آخر أكثر أمنا وأمانا، بل إنهم شيعوا جثمان الحركة إلى مثواها الأخير قبل أن ينخرطوا في حياة جديدة في انتظار ربيع آخر يعيدوا فيه إنتاج نفس الخطاب السياسي والإعلامي ليحققوا من ورائه مكاسب جديدة.
سياسيون رفعوا شعارات "إرحل"
الذين تابعوا مسار حركة 20 فبراير منذ انطلاقها، يعرفون أن كثيرا من السياسيين رافقوا ولادتها القيصرية، وكانوا في مقدمة الصفوف يرفعون بدورهم شعارات "إرحل" يحلمون بمغرب آخر ليس سوى في مخيلتهم، سياسيون ورجال أعمال يهتفون في وجه الفساد والاستبداد ويرفعون الشعارات التي تطالب برحيل عدد من رموز الدولة، بسبب خلافات سياسية بينهم. لقد كان لافتا الحضور الوازن لمصطفى الرميد الذي يحمل اليوم حقيبة وزير العدل والحريات في حكومة عبد الإلاه بنكيران، وزميله في نفس الحكومة محمد الحبيب الشوباني وزير العلاقة مع البرلمان والمجتمع المدني ومعهما كان هناك عبد العالي حامي الدين الذي يعتبره كثيرون أحد الخاسرين في الربيع المغربي، بل إن جريدة التجديد الدراع الإعلامي لحزب العدالة والتنمية، انخرطت بدروها في هذا الربيع قبل أن تنقلب الرياح وتحط في مقر العدالة والتنمية. وإلى جانب زعماء العدالة والتنمية، دفعت كثير من الأحزاب بشبابها سواء عن اقتناع أو بحكم الضرورة، في تلك الفترة التي كان فيها الربيع العربي في أوجه، والجميع يراهن على تغير موازين القوى، وليس السياسيون فقط من وجدوا نفسهم في الإطار، بل كان هناك كثير من رجال الأعمال الذين كانوا يركنون سياراتهم الفارهة في تلك الدروب الضيقة قبل أن يترجلوا في اتجاه باب الأحد بالرباط أو ساحة الحمام بالدارالبيضاء، وفي مقدمتهم ميلود الشعبي، الذي وزع في أول يوم من أيام الحركة قنيات الماء الذي تنتجه إحدى شركاته، قبل أن يختفي عن الأنظار ويثير كثيرا من علامات الاستفهام، أولا، حول حضوره في أول مسيرة للحركة، وثانيا حول اختفائه، كما حضر كريم التازي، رجل الأعمال في مسيرات الدار البيضاء، وقال في السياسة ما لم يقله مالك في الخمر، بل وزع الأكل والشرب على شباب الحركة، قبل أن يختفي هو بدوره ولم يعد يظهر له أي وجود سوى على صفحته الفايسبوكية التي حولها إلى فضاء لتصفية حساباته الخاصة، وفي غمره الانتشاء بالربيع العربي، دخل على الخط عشرات السياسيين ولكل أهدافه ومراميه، لكن النتيجة كانت أن كل هؤلاء التجار باعوا بضاعتهم بأبخس الأثمان وراحوا يبحثون عن فريسة أخرى.
العدل والإحسان والنهج الديمقراطي يحلمون بحمام دم
رغم أن شباب حركة 20 فبراير كانوا يطالبون بملكية دستورية، وبمحاربة الفساد ورحيل رموزه، إلا أنه كان لافتا أن أطرافا أخرى لعبت لعبة أخرى، أطراف كانت تحلم بحمام دم، وأرادت خوض الحرب بالوكالة، ويتعلق الأمر بجماعة العدل والإحسان التي حاولت الاستيلاء على الحركة ولعب ورقة الضغط على الدولة، بل إن الجماعة تحالفت مع اليسار العدمي ممثلا في النهج الديمقراطي الذي احتضن الحركة وكان يطمح إلى أن يعود من خلالها إلى الساحة السياسية، لكن زعماء اليسار العدمي وبدل أن يسيروا جنبا إلى جنب مع الحركة كانت مطالبهم تتعدى مطالب الشباب، فقد كانوا يطمحون إلى أكثر من ملكية دستورية، كانوا يريدون دستورا شعبيا حيث لا سلطة فيه للملك، وقد استغلت كل من العدل والإحسان والنهج الديمقراطي شباب حركة 20 فبراير من أجل تمرير رسائلها المشفرة، قبل أن تقرر العدل والإحسان، مغادرة الحركة دون سابق إعلان بدعوى أنها لم تحقق للجماعة شيئا، وهو ما عجل بسقوط الأقنعة وانكشاف أهداف الجماعة التي كانت ترغب في تحقيق حلم الخلافة الإسلامية، لكنها فشلت في نهاية المطاف في جر الشعب المغربي إلى مياهها الآسنة.
صحف ترفع مبيعاتها على حساب الحركة
مع ظهور البوادر الأولى للربيع العربي، اتجهت جزء من الإعلام المغربي، إلى إعادة التموقع في انتظار ما تسفر عنه الأيام القادمة، هذا الجزء من الإعلام المغربي كان لديه اقتناع أن حركة 20 فبراير ستنتصر كما كان الشأن في مصر وتونس، لذلك لم تخف هذه الصحف ولاءها للحركة، وتحولت في كثير من الأحيان إلى ناطق رسمي باسم الحركة، كما خصصت صفحات من جرائدها لمن اعتبرتهم رموز الحركة، والواضع، أن هذه الصحف التي انقلبت فيما بعد على عقبيها، اقتنعت أن المستقبل المغربي هو بيد الحركة، ولعبت على الوتر الحساس لترفع مبيعاتها من جهة، ومن جهة أخرى، لتبحث لها عن موطئ قدم في المستقبل المغربي، الذي بدا في الوهلة الأولى غامضا، قبل أن يعيد خطاب 9 مارس الأمور إلى نصابها، خصوصا مع الإعلان عن مراجعة شاملة للدستور، هذا النوع من الصحافة، سرعان ما باعت الحركة وقبضت الثمن ناجزا، وتحولت بقدرة قادر إلى الجهة المقابلة، مبررة، تغيير مواقفها بأن الحركة حققت أهداف نزورها إلى الشارع، وعليها أن تعود سالمة إلى معاقلها، وهو الأمر الذي اعتبره كثير من المتتبعين للشأن الإعلامي في المغرب، بأنه شكل من أشكال المقايضة التي لعبتها هذه الجرائد، لتنزل بعد انتخابات 25 نونبر وتطالب بإعدام الحركة، خصوصا، مع صعود حزب العدالة والتنمية الذي أصبح يملك الأغلبية في الحكومة، كما أن هذه الجرائد ركبت قطار المغرب السريع، واعتبرت، أن حركة 20 فبراير استنفذت أسباب وجودها، فيما يشبه عملية بيع وشراء دفع فيها شباب الحركة الثمن. مقابل هذا النوع من الصحافة التي مارست العبث ولعبت بمستقبل المغرب، ظلت على الطرف الآخر جرائد أخرى ومن بينها المغربية ثابتة على المبدإ، ترفض الانسياق وراء لعبة غير مضمونة العواقب، وكانت النهار المغربية، أول جريدة تنشر صورا للخليفي وهو يعاقر الخمر ويجاهر بمسيحيته، بل ويدافع عن المثليين، وقد كانت "النهار المغربية" تؤمن وهي تقوم بعملها هذا أن رسالة الإعلام، أكبر من مجرد رفع رقم مبيعات الصحف، أو الرفع من عدد زوار المواقع الإلكترونية، بل إن رسالة الإعلام هي المساهمة في حماية الثوابت الأساسية للأمة، وعدم الانجرار وراء أهداف مادية وسياسية دنيئة، وهو الأمر الذي انخرطت فيه كثير من الجرائد التي عادت اليوم لتطالب حركة 20 فبراير بوقف نزولها إلى الشارع، بدعوى أن هناك حكومة جديدة تباشر مهامها ولابد أن نمنحها الوقت الكافي لتعبر عن حسن نواياها، وفي هذه الحكومة كان هناك وزراء وقفوا في الصفوف الأمامية للحركة إلى جانب زعماء اليسار العدمي ومسؤولي الجمعية المغربية لحقوق الإنسان التي تحولت اليوم إلى العدو رقم واحد لحزب العدالة والتنمية.
تهريب الأموال خوفا من الربيع المغربي لم يكن الربيع المغربي لينتهي من دون أن يخلف وراءه كوارث اقتصادية خطيرة، فخلال سنة واحدة تم تهريب الملايير وتم سحب الأموال من البنوك وتوقف الاقتصاد الوطني، وبدا واضحا، أن بعض الأطراف تلعب بالنار، وتهدد أمن واستقرار المغرب، والنتيجة هي أنه في ظرف سنة واحدة توقفت الاستثمارات وتراجعت السياحة المغربية، وكف المهاجرون عن تحويل أموالهم، قبل أن يكتشف الجميع أن الربيع المغربي لا يعدو لعبة سياسية أنتجتها أطراف كانت تسعى إلى تغيير وجه المغرب، فكادت تأتي على الأخضر واليابس، أطراف كانت تراهن على الفوضى والانفلات من أجل إعادة إنتاج المنظومة السياسية والأمنية، لكنها في نهاية المطاف وجدت نفسها في مهب الريح، وتحول الربيع المغربي إلى كساد على جميع الأصعدة، وبعد كل هذه الأسابيع والشهور، لم تجد بدا من الاعتراف أن أملها خاب، في تحقيق الثورة الموعودة، لأن الشعب المغرب غير قابل للتدجين.
|
|
2723 |
|
0 |
|
|
|
هام جداً قبل أن تكتبو تعليقاتكم
اضغط هنـا للكتابة بالعربية
|
|
|
|
|
|
|
|