|
|
|
|
|
أضيف في 18 فبراير 2012 الساعة 02 : 17
ادريس هاني
لا للسياسة من أجل السياسة
يصعب على الحركات الفوضوية أن تقبل بالعملية السياسية لأنها في الأصل ترفض فكرة الدّولة. هذا حتّى وإن اهتدت إلى مخرج الخلافة على منهاج النبوة بوصفها يوتوبيا خالدة. والحقّ أن مرشد الجماعة يتفرّد بنهج خاص تكثر فيه متناقضات الفكر ومفارقات الأيديولوجيا. لا يتطلّب الأمر كثير إطناب للوقوف على هذه الحقيقة في النّص الياسيني الذي يجنح إلى أساطير ملوّنة، بأسلوب فريد كثيرا ما استمتعت بلغته البليغة. ويصعب النقد لجماعة فوضوية تقدّس ما لم يقدّسه لا الله ولا التّاريخ. وحينما يحول بينك والشيخ مريد حديث العهد بالجدل وليس غير الجدل، فسيكون الشّيخ قد فوّض في هذا العناد من لا عهد لهم بصناعة القول الفصل فضاعت النّصيحة في اللّجاج الفارغ وليس غير الاحتجاج الفارغ. إن الشيخ لم ينجح في تدريب مريديه على المنقول فحلموا ولم يدرّبهم على الحجاج فلجّوا وجادلوا وعاندوا. فالجدل إن رمناها ضيّع من أوقاتنا ما ليس لنا منه ما للشيخ في سفراته الاستجمامية بدل سفراته الروحية. لم أجد جوابا عمّا ساءلت فيه الشيخ وليس المريد المقلد الذي يواجهنا ببضاعتنا، بتواضع مرائي كاذب. فأنا أريد جواب الشيخ لا المريد. فالنقد حقّ ولقد فتحت كوّة لمن يريد أن يسلك طريقا لنقد الجماعة في الصّميم. أمّا التذرع بالشجاعة فأرجو أن يزايد بها الجبان على الجبان. فديكة المزابل قد تصيح في وجه الفرسان الأجاود. لا أنوي الاستدراج إلى الجدل لكنّ لي ما أوجّهه للشيخ مباشرة لا لصغار المريدين. إيمانا منّي أنّ عشرات ممن باعوا عقولهم للشيخ حين من الدّهر يفكّر عنهم، هم بمثابة سبعين في شريط. فالعجب أن يبارزك بالبرهان من خالف المعقول واستكثر على العقل أن يدرك الحسن والقبح. وقد يتغيّر المزاج لكي نفرك آذان صيصان الدروشة بعض الشّيء. فليطمئنّ المريد المعاند أنّ شجاعتهم البكّاءة لا تقنعني، لأن الكفن الذي لبسه شيخهم في تمسرح بطولي لا أجد وقتا لتفصيله وخياطته، فجلدي كفني. وحتى ذلك الوقت لا بدّ من التّقيّد بالموضوع؛ أي ما الذي جعل الجماعة تراود المربع الأول بعد أن كانت على وشك الدخول في اللعبة السياسية.
تضعنا مخاضات الجماعة منذ 2010م أمام صورة عن حركة تتجه نحو القبول بالمشاركة. لكن الحراك الاجتماعي لعام 2011م أعادها إلى المربّع الأول. وبعد أن كان من المفترض أن يكون الربيع العربي ربيعا على الجماعة تخرج به من الحصار الذي ضربته على نفسها، زادها الربيع العربي التباسا وانزواءا وخسرانا. في حين كان الربيع العربي قد أوصل أشقّاء لها إلى سدّة الحكم . كما أنّ الجماعة منخرطة في هذا الحراك تلهج بلسانه ولا تشكّ في أهميته. لن تستطيع الجماعة اتهام الربيع العربي ولا حتى الاسلاميين الذين جاء بهم هذا الحراك ولن تتهم نفسها أيضا. لكن سيظلّ الحديث عن سورة المخزن حديثا طريّا حاضرا آنيا في أدبياتها. وأمامها الكثير من الإحراجات ومن الإخفاقات التي تنتظر أشقّاءها الإسلاميين لكي تبرهن على شرعية انزوائها وقطيعتها. يهمّنا هنا الحديث عن تلك المخاضات التي كادت تبلغ بها حاق المشاركة قبل أن يعيدها الحراك الاجتماعي إلى المربع الأول.
مخاضات باتجاه القبول بالمشاركة
إلى حدود سنة 2010م ، لا شيء تغيّر في سلوك جماعة العدل والإحسان. فحتى هذه السنة لا زالت تواجه تحدي العزلة التي فرضها عليها اختيارها السياسي وجمود موقفها ومشروعها المجتمعي. ظلت حالة الانتظار أبرز سمة للجماعة التي ازدادت انكماشا منذ الجدل الذي أثارته نبوءة الجماعة حول وقائع سنة 2006م التي لم يتحقق منها شيء. دخلت الجماعة منذئذ في نوبة أخرى من العزلة ما يؤكد على أن حدث الرؤيا المذكورة شكل منعطفا جديدا في تاريخ الجماعة لا زالت مفاعيله مستمرة في التأثير على أداء الجماعة فيما تبقى من العشرية الأولى للقرن الواحد والعشرين. إذ بدأت تتجه أكثر نحو الغموض والخروج عن مبدأي العلنية والوضوح الذين سبق أن جعلت منهما أهمّ شعارين لقيام مشروعها في إعادة تشكيل المجتمع والسلطة منذ بداية الثمانينيات من القرن الماضي. لقد اعتبرت حينئذ في أدبياتها الحركية والتربوية التي عادت لتذكر بها من خلال الوثيقة الموسومة باللاءات الثلاث، بأن السرية مرفوضة لمناقضتها الدعوة كما أن موضوعها يختفي نظرا لحق المسلم في أن يعبر عن مواقفه الإصلاحية والسياسية، كما أن السرية تضرّ بالعمل التنظيمي. ولم يكن السيد ياسين ليخفي مواقفه منذ خروجه من الطائفة البوتشيشية، حيث أطل في العام الماضي شيخ الطريقة سيدي حمزة ليرفع الغموض الذي لفّ الأسباب الحقيقية لخروج الشيخ ياسين من الزاوية ، حيث أكّد الشيخ حمزة على أن ذلك القرار جاء نتيجة لمحاولته تسييس الطريقة. ومثل هذا التصريح إن كان شيخ الطريقة يجد فيه مبررا لتأكيد نقاء الطريقة من دنس السياسة، فإن تصريحا كهذا مثّل شهادة مهمة بالنسبة للجماعة التي وجدت فيه تفسيرا يخالف مجمل التفسيرات التي راجت خلال السنوات الماضية ، حيث فسر خروج السيد ياسين كرد فعل على تنصيب سيدي حمزة خلفا لأبيه سيدي العباس بن المختار كشيخ للطريقة. ولا يوجد ما يثير الشك في هذا التفسير الذي أكده شيخ الطريقة كما تؤكده سيرة الشيخ الذي طاف وتردد في زمن مبكر على قيادات الشبيبة ـ عبد الكريم مطيع وكمال إبراهيم ـ طمعا في استدراجهم داخل الطريقة لا لتصويفهم فحسب ، بل لتحريك الطريقة أيضا. إلاّ أن السيد ياسين الخارج توّا من تحت جبة الشيخ الصوفي داخل طريقة أزعجه فيها جمودها فيما أغرم بحيوية الشبيبة التي وجد فيها التجسيد الفعلي لخطاب الإخوان المسلمين، سيجد في بقايا الشبيبة وأبنائها القاعدة الأثيرة لمشروعه الخاص وارثا شطرا من تنظيم الشبيبة نفسه بعد أن تمّ قطع رأسه وغياب قيادته التاريخية. لا نتحدث هنا عن انشقاق جماعي داخل الطريقة بل نتحدث عن خروج أحد أبرز رجالاتها يائسا قبل أن يتمّ احتواؤه من قبل شريحة من بقايا الشبيبة الإسلامية تنظيما وزحفا قبل أن يعيد تشكيلها تربية وثقافة. في الحوار الذي أجرته جريدة المساء مع شيخ الطريقة1 تحدث عن أن تعيين هذا الأخير من قبل والده سيدي العباس ضمن وصية مكتوبة ومشهودة وكان الشيخ عبد السلام يسين الذي اطلع هو الآخر على تلك الوصية قد ظل وفيّا لشيخ الطريقة الجديد إذ ظلّ الشيخ حمزة شيخا لعبد السلام لمدة ثلاث سنوات. واتهم الشيخ حمزة السيد ياسين بأنه كان يسلك على خلاف مقاصد التصوف في التربية الروحية ميّالا إلى السياسة محاولا تسييس الزاوية. ولهذا السبب يذكر قرار والده سيدي العباس منع السيد ياسين من تأليف كتاب حول تاريخ المقاومين البوتشيشيين ضد الاستعمار الفرنسي. كما لم يفت السيد حمزة أن يبوح بوضعيته الشخصية على إثر خروج باسين من الطريقة ورسالته الشهيرة: "الإسلام أو الطوفان" ، حيث فرضت الإقامة الجبرية والحصار على سيدي حمزة قبل أن تتدخل أطراف من داخل الدولة لتبرئة ساحته.2
مع نموذج الروكي مجددا
في تاريخ المغرب الحديث كنا أمام الكثير من الحالات التي احتدم فيها الصراع بين بعض رجالات التصوف والدولة. وقد اتخذ هذا الصدام أشكالا عديدة لكنها دائما مثلت الاستثناء في تاريخ المغرب السياسي. حصل ذلك مع بوحمارة الذي استجمع كل مواصفات الروكي ليخوض المواجهة ضد السلطان والجيش المغربيين؛ المعركة التي ولول ضدها مصلح كبير مثل الحجوي الثعالبي باعتبارها انتحارا وإضعافا للمغرب وتمهيدا للطريق أمام احتلال فرنسا للمغرب. كان الروكي متمردا صوفيا كما درقاوة في تطاون كما الشيخ الزيتوني في فاس كما عبد السلام ياسين اليوم مع حفظ الفوارق. وهذا الأخير الذي استجمع كل تجارب هذا التمرد الصوفي ، استفاد منها عدم جدوى المصادمة الفعلية ولكنه رجّح طريقة اليوسي في بعث الرسائل إلى السلطان؛ رسائل تدمج بين التمجيد بأشخاصهم والتهديد لهم إن لم يأخذوا بالنصيحة مأخذ الجد. جاءت رسالة "الإسلام أو الطوفان" لتؤكد على أن المغرب يغرق بلا رجعة فمن لم يلتحق بسفينة نوح العدلية هلك لا محالة. بمثل هذا النفس الذي كتبت به رسالة السيد ياسين الاحتجاجية سجنت كل مبادرات العدل والإحسان وتوقف تاريخها في هذا التحدي الذي استصحب على مدى عهدين لا يكاد يبدو للجماعة أن شيئا ما قد تغير بالفعل. فحتى حينما كان الجميع يتطلع ويوحي بتحولات العهد الجديد ، بادر الروكي الجديد إلى كتابة رسالة " لمن يهمه الأمر " تتضمن شروطا تؤكد ليس فقط على جس النبض ، بل على أن هناك شروطا خاصة بالجماعة للاستمرار في جو مريح من العمل على هامش المشهد السياسي من دون أن تتحمل مسؤولية لعبة سياسية تعتبرها غير مجدية لعمل سياسي حقيقي. فخلال هذه السنوات ، لم نخرج عن فكرة انتظار القومة . ودائما سعت القيادة لكي تكسر روتين الانتظار الذي لم تخفف عنه مسألة التربية وطقوس الرؤى التي تحصد الأزمنة أمام شباب تنظيم وجد فيها تعويضا حيويا عن خطاب يقتل الأمل في الواقع؛ قتل الأمل الواقعي الذي غدا عنصر إدمان الخطاب السياسي للجماعة. وقد استطاع السيد يسين أن يظفر بتنظيم يحمل خصائص الطريقة الصوفية مع تنفيذ كل طموحاته السياسية التي فشل في تنفيذها يوم كان مريدا في الزاوية البوتشيشية. فيما أمكنه استعادة صورة الروكي المتصوف الخارج على السلطان في محاولة للوصول إلى نموذج الصوفية الجهادية مع وقف التنفيذ. وهذا ليس غريبا ، فلقد أشاد شيخ الطريقة العدلية كثيرا بموقف اليوسي الثائر ـ وكثير من أمثاله ـ ضد السلطان ، اطلاع السيد ياسين على تراث الروكي المغربي بكل ملامحه وأنماطه مستلهما مثال قومته من بوحمارة الذي لم يكن يخفي تصوفه السياسي وعصيان درقاوة بتطاون، وممانعة اليوسي، جعله يبحث عن نماذجه من داخل تجربة مغربية خالصة دمغت تاريخ المغرب بصورة صراع مستدام على من يهيمن على الحقل الروحي: السلطان أم الروكي؟ الجواب التاريخي عن هذا السؤال يؤكد أن الغلبة كانت دائما للسلطان ضد الروكي في تاريخ المغرب. لكن هذه الصوفية البادية على خطاب الجماعة لا تنفي الشكل اللينيني لتنظيمه الذي ورثه من تنظيم الشبيبة الإسلامية والتي تمثلته هي الأخرى عن التنظيمات اليسارية. ويعتبر الشكل التنظيمي للجماعة ذات النزعة الصوفية ـ السياسية ميزة فاردة في تاريخ المغرب. إن الانزواء الذي سبّبته صدمة عدم تحقق رؤية عام 2006م لم يشكل حرجا سياسيا للجماعة أمام القوى الأيديولوجية والسياسية المنافسة والمناهض لأيدولوجيا العدل والإحسان فحسب ، بل بات الحرج كبيرا داخل الجماعة نفسها أمام أتباعها المحتقنين روحيا وسياسيا ، نظرا للتحولات التي بدأت تطرأ على سلوك الجماعة القيادي وكذا الشروط الموضوعية من حولها التي بدأت تكشف ولو بصورة ملتبسة عن استعداد غير واضح للجماعة للتحول إلى حزب سياسي. فحتى حينما بادرت الوفاة لإنهاء مشوار أول متمرد على جماعة العدل والإحسان (الأستاذ البشيري) الذي باشر مهمة النقد الذاتي من داخل الحركة، اعتبر أتباع الجماعة أن الأمر يتعلق بانتقام إلهي من أول متجرئ خارج على الجماعة. غير أن معظم الأتباع الذين صدقوا تلك النبوءة قبل أن يصطدموا بعدم تحققها ، هم ممن استقطبتهم الكاريزما الروحية لشيخ طريقة سياسية لا تخطئ نبوءته في وجدان أتباعه. لم تتحدث الجماعة عن خطأ النبوءة واقتصرت على اتهام خصومها بالتشويه وبعدم استيعابهم للموضوع. ولا شيء يمنع من الاعتراف بوجود حملة تشويهية ممنهجة ضد جماعة العدل والإحسان، غير أن الأمر لا يخلو أيضا من وجود سلوكيات ومواقف وآراء داخل الجماعة مثيرة للجدل. لقد ربى الشيخ أتباعه على أن يتباشروا بالرؤى التي لا تقف عند حد بما في ذلك مصير البلاد السياسي باعتبار أن الرؤيا تبعا للحديث تمثل جزءا من سبعين جزء من النبوّة. بدا مصير المغرب في رؤى أتباع العدل والإحسان في وضعية حرجة بقدر ما تعد بمؤشرات استعجال القومة المنتظرة ، تمنح للشيخ وسام الخلافة في الأرض وكذا تجسيد مهمة المهدي المنتظر. وقد تم عرض تسجيلات عن سماع الشيخ لرؤيا أحد أتباعه تراه في رفقة النبي (ص) والخليفتين أبي بكر وعمر، بينما تشير البشارة التي ينقلها أحد الأتباع بأن النبي (ص) حدثهم بأن السيد عبد السلام يسين هو خليفتي في الأرض.
بنية عقائدية تناقضية
لا شكّ أن الشيخ ياسين أقر بالشورى في اختيار الإمام وليس الجبرية ، حيث في وقت سابق سعى للاستخفاف بآراء من سماهم بالرافضة لأنهم تحدثوا عن الولاية المطلقة للإمام وكذا قولهم بالعصمة وبغيبة الإمام وما شابه، معتبرا القول بالوصية مساوقا للقول بالجبر والوجه الآخر للملك العاض الأموي ؛ وذلك حينما قال في كتابه الموسوم بـ (الخلافة والملك): "اتفق علماؤنا على أن الخلافة لا تكون بالنص والوصية، لكن باختيار الأمة "3. وزاد بيانا في كتابه (نظرات في الفقه والتاريخ): " وكيف صنعت أجيالا يسوقها الحاكم المستبد سوق الأغنام، فهم الذهنية الأخرى التي رفضت الاستسلام وتشيعت لآل البيت، فهم كيف تغلغلت الثورة الشيعية على الحكم حتى انفجرت في عصرنا، فهم كيف تحجرت الذهنية الشيعية على عقيدة إفراد علي كرم الله وجهه وبنيه بالإمامة، وراثة تقابل توارث الملوك العاضين شؤون الأمة، فهم كيف صنع تكتم الشيعة من الحكام على مر العصور ذهنية غامضة تتناقل الأخبار الغريبة الساذجة من فم لأذن في جو تآمري حاقد"4. ومع ذلك ثمّة من ربط بين آراء السيد عبد السلام ياسين وبين الفكر الشيعي. وهذا لا يصحّ من وجهة نظر التحقيق، لأن الغالب على فكر الشيخ هو التّصوف السّني المسيّس. وهو إذ أنكر على الشيعة فعل ذلك بأئمتهم ، عاد ليثبت كل هذه الدعاوى لنفسه وهو ما لا ينسبه فقهاء الشيعة لأنفسهم ويعتبرون دعوة كتلك، اغتصابا لمقامات الأوصياء. وفضلا عن أنه فرض نفسه على مريديه بالجبر دون أن يخضع للانتخاب، فلا يوجد من هو مستعد لتخطئة الشيخ من قبل مريديه الذين استعانوا بالرؤى ليثبتوا الوصية له والعصمة وكذا مهدويته كرائد للقومة المقبلة كما تظهر ذلك رؤى أتباعه. وهو ما يعني أن عبد السلام ياسين نفى عن أئمة الشيعة ما قبل به لنفسه أو أقرّ جماعته على ما ترفعه إليه عبر الرؤى والبشارات التي تعوّض النص النبوي باعتبار أن الرؤى هي جزء من سبعين جزء من النبوة. تفيض رؤى مريدي الجماعة بمعاني تأكيد الوصية على السيد ياسين من قبل صاحب الدعوة مباشرة. ولا يجد الشيخ غضاضة في تقرير تلك الرؤى وعدم تكذيبها أو بيان خطرها على معتقدات المريدين. فهو إذ سلب علي بن أبي طالب خاصية الوصية والنص عاد ليثبتها لنفسه من خلال نص الرؤى الذي تمنح من خلال كثافتها وتقريرها من قبل الشيخ ، سلطة دينية واسعة. نقف من خلال موقع الجماعة على بشارات المريدين بالخلافة العظمى لزعيم تنظيم العدل والإحسان نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
رؤية موقعة من قبل خالد ، ب من مدينة طنجة ، معروضة في موقع الجماعة يقول صاحبها: "رأيت فيما يرى النائم دارا محاطة برواق أخضر تتصاعد منه الأبخرة، ويفوح منه طيب المسك، وإذا بي أدخل فأبصر رسول الله صلّى الله عليه و سلّم يتصفح المنهاج النبوي ويقول: "نعم المصحوب ونعمة الصحبة، نعم الذَّاكر ونعم الذِّكر..." حتى أكمل بقية الخصال العشر ، ثم وضع سيفا داخل المنهاج النبوي".
وفي رؤية أخرى معروضة في الموقع نفسه يقول: "رأيت طريقا من نور، وفي رأس تلك الطريق سيدي عبد السلام ياسين حفظه الله، وقال لي رسول الله صلّى الله عليه و سلّم مشيرا بأصبعه: "عليك باتباع هذه الطريق وهذا الرجل". ثم رأيت بيت سيدي عبد السلام ياسين وفوقه مباشرة خيمة كبيرة من نور، بها عدد كبير من الملائكة، وتلك الخيمة الكبيرة جدا حجمها مثل مدينة، فدخلت تلك الخيمة وسألت أحد الملائكة بها عن سر وجود هذه الخيمة فوق منزل سيدي عبد السلام ياسين؟ فأجابني قائلا: إنها تقوم بحمايته وحراسته من كل سوء شيطاني، وكل عمل شيطاني تقوم به الدولة لكي تستوعب وتشل عمل هذه الجماعة. ثم رأيت بعد ذلك، ورسول الله صلّى الله عليه و سلّم معي يرشدني، إخوة مجلس الإرشاد، وكأنهم متحلقون في غرفة من بيت سيدي عبد السلام لابسين ملابس بيضاء جدا، وبعد حين خرج من كل أخ منهم قضيب عظيم من نور، ثم اجتمعت القضبان النورانية العظيمة الحجم متحدة فيما بينها، وتكون فوق رؤوس الإخوة نور أبيض وكأنه الشمس وأكثر إشعاعا، فقال لي رسول الله صلّى الله عليه و سلّم: "أَوَ تنظر إلى هذا النور الذي فوق رؤوس الإخوة؟ إن هذا النور سيشمل الأمة المحمدية كلها، وسيفيض عليها خيرا ونورا".
وتقول رؤية أخرى لصاحبها موقعة باسم علي ت، مدينة القنيطرة: "رأيت فيما يرى النائم أننا –أي الإخوة المرابطون راكبون كلنا على جمل أبيض اللون-حوالي 39 أخا- وكان أصغرنا قامة (حوالي 110 سنتم) هو الراكب على رأس هذه الراحلة مستدلا على ذلك أنه خفيف الوزن، ونظرا لما أحس به الجمل من ظمأ سار بنا متجها نحو حوض ليشرب، ولعله حوض من حياض الجنة. فما أن أحنت الراحلة رأسها لتشرب حتى سقطنا جميعا في ذلك الحوض العذب المثلج، وكان الأخ الصغير والقصير القامة هو السابق إلى الماء. وبعد أن اغتسلنا جميعا في الحوض، تغير بنا المقام إلى ساحة فسيحة يصعب على العين وصفها، وفيها وجدنا رسول الله صلّى الله عليه و سلّم ومعه عشرات من الصحابة والصالحين، أذكر الذين تأكدت من معرفتهم: سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، سيدي عبد السلام حفظه الله، وبعد أن جلسنا-أي الإخوة المرابطون- في اتجاه هؤلاء الرجال قام سيدي عبد السلام يبحث عن أمير الرباط، فأشرت إليه بالأصبع أنه أنا بعد تردد واستحياء، فطلب مني اختيار بعض الوعاظ من الإخوان الجالسين، لكن لم يستطع أحد منهم –أي الإخوة نظرا لاستحيائهم من الرسول صلّى الله عليه و سلّم والخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم- أن يتقدم للوعظ وبعد ذلك خروا جميعا يبكون. ثم شرع سيدنا عمر بن عبد العزيز في إلقاء كلمة متواضعة مفادها أنه قام بجرد نبذة عن حياته في البلاط الأموي وكيف أصبح خامس الخلفاء الراشدين وأثناء الإلقاء بكى بكاء مرّاً، وكان آنذاك سيدي عبد السلام يشير تارة إلى سيدنا عمر بن عبد العزيز وتارة أمامه كأنه بذلك يريد القول: "أيمكن لي أن أقدم هذا الرجل الصالح إلى ملك المغرب كي يسمع بأم أذنيه إن لم يرد أن يستنصح بالكلام الذي وجهه إليه". وبعد أن أنهى سيدنا عمر بن عبد العزيز كلامه طلب النبي صلّى الله عليه و سلّم من سيدي عبد السلام ختم المجلس فأشار بأصبعه في استحياء وبكاء أنه لا يستطيع، وفي الأخير ختم رسول الله صلّى الله عليه و سلّم، واستيقظت".
وفي رؤية أخرى تليها يقول الرائي: "رأيت سيدي عبد السلام ياسين في بيته ومعه سيدي رسول الله صلّى الله عليه و سلّم، وسيدنا علي كرم الله وجهه، ومعهما ملكان يحملان كتابا أخذه سيدنا علي رضي الله عنه وسلمه لسيدي عبد السلام، وقال له: "كان بعضه لأسلافك وكله لك". ثم رأيت بعد ذلك سيدي عبد السلام في جمع من الإخوة وفي يده كتاب بعنوان: "كشف الآحاد لأنوار الله الصمد". وقال للإخوة: هذا الكتاب لم يكتب أبدا. ثم فتحه فكانت صفحاته بيضاء فأخذ يقرأ فيه والإخوة ينصتون ويبكون بكاء شديدا".
وفي أخرى لموقّعها : جمال. ش : "رأيت فيما يرى النائم أني في صحراء تنتابني حيرة وكان الوقت ضحى، فإذا برسول الله صلّى الله عليه و سلّم يأتي ممتطيا فرسا أبيض، فنزل ثم أخذ بيد سيدي عبد السلام, ثم أركبه الفرس وقال له: "انطلق", ثم انطلق, ثم نظر إلي رسول الله صلّى الله عليه و سلّم, ثم سألته عن هذا الذي حدث فقال لي: "هذا هو الذي يكمل الطريق من بعدي".
ويذكر مريد آخر بتوقيع عمر.غ : "رأيت فيما يرى النائم أن الأمكنة كلها مظلمة باستثناء مكان ينبعث منه ضوء شديد القوة، فإذا بهذا المكان يجلس فيه مجلس الإرشاد مع الأخ المرشد سيدي عبد السلام ياسين، فجاء رسول الله صلّى الله عليه و سلّم، ووضع يده الشريفة على رأس كل أخ من مجلس الإرشاد وهو يقول: "إنكم من أبناء الحسين". وعندما وصل إلى الأخ المرشد نزع بردته (سلهام) وألبسها إياه".
وفي أخرى : "رأيت أن كل الطرق التي تؤدي إلى بيت سيدي عبد السلام مملوءة عن آخرها بالإخوة وهم يرتدون ثيابا بيضاء، وفجأة نظر إلينا سيدنا رسول الله صلّى الله عليه و سلّم من السماء فأضاء بنور وجهه على الإخوة، فسأله الصحابة الكرام: من هؤلاء يا رسول الله؟ فقال لهم: "هؤلاء أتباع عبد السلام ياسين، وأتباعه أتباعي".
وفي رؤيا محمد ، ب من مدينة الدار البيضاء : " رأيت أنني ومجموعة من الإخوان في قاعة كبيرة للتداريب الرياضية، وهؤلاء الإخوة جميعا يبدو عليهم أثر القوة الجسمية، والمشرف على هذه التداريب هو رسول الله صلّى الله عليه و سلّم، بحيث أنه جالس أمام المتدربين ينظر إليهم. وبعد عدد كبير من الحصص التدريبية كانت الحصة الأخيرة، والتي عند انتهائها نهض رسول الله صلّى الله عليه و سلّم وأخذ قلما كبيرا وبدأ يكتب في الدفتر الذهبي، فجئت إلى جانبه الأيمن لأرى ما يكتب فإذا بالكتابة خطوط من ذهب، كلما خط رسول الله صلّى الله عليه و سلّم خطا ظهر عليه نور وبدأ يكبر (الخطوط تشبه الخطوط التي في الكتابة الصينية). ولم أفهم ما يكتب، وعندما انتهى عرفت أن ما كتبه رسول الله صلّى الله عليه و سلّم هو التالي: "أوصي بهذا الأمر إلى عبد السلام ياسين ».
وتتحدث رؤيا أخرى لأحد المريدين: "رأيت فيما يرى النائم أني في زحام شديد لا يكاد يتحرك الإنسان فيه، فدافعت حتى أفضى بي الأمر إلى فضاء وجدته هو الحرم المكي، والكعبة في نور عظيم. وفي المحراب جلس سيدنا رسول الله صلّى الله عليه و سلّم وعلى يمينه المرشد الحبيب عبد السلام ياسين، وإذا بذلك الزحام ينفرج لجماعة من الناس يسلكون فيه بسهولة، ويمضي الواحد بعد الآخر ليسلم على سيدنا رسول الله صلّى الله عليه و سلّم وعلى الأستاذ المرشد الذي أخذ يقدمهم لرسول الله صلّى الله عليه و سلّم واحدا واحدا، ويقول: هؤلاء رجال التعليم في جماعة العدل والإحسان".
يمنح تكرار الرؤى وتضخمها وانتقاؤها والمغالاة في التباشر بها ـ كما استعرضنا عينات منها ـ في مناخ من الاحتقان والعزلة والإلهاءات الصارفة عن الاختيارات الواقعية ، معنى يحشر الجماعة في حرج تجاه مريديها وخصومها على السواء. وتفتح الجماعة المجال أمام كل الرؤى دون أن تميز بين ما كان منها محض أضغاث أحلام أو تسريبات عوالج اللاّوعي الفردي والجماعي المحتقن والمسكون بالفكرة الثابتة حول الشيخ. لكنها تبشر بما يعوض النص على مقامات للشيخ تفوق مقامات الأنبياء والمرسلين. ففي واحدة من تلك الرؤى المعروضة في موقع الجماعة يقول أحد المريدين (جمال. ز) : "رأيت فيما يرى النائم أن الإخوان مرابطون في بيت الله الحرام، ومنهم من يلبس لباس الإحرام، ومنهم من لا يلبسه، وكان وقت الاستغفار، وكان مقام الحجر الأسود فارغا. فقلت أذهب إليه وأدعوا فيه الله، وأقول في دعائي: يا ربي اعط لسيدي عبد السلام ياسين أعلى مقام لم يصل له وَلِيٌّ من قبل ولا من بعد. فإذا بسيدنا محمد صلّى الله عليه و سلّم يقول لي: "انظر إلى مقام سيدي عبد السلام ياسين، لقد نال الدرجات العلى."5.ليس أغرب من ذلك أن تتدارك ابنته السيدة نادية ياسين وهي ترافقه في لحظة استجمام الشيخ وبعض من أتباعه في غابة معمورة في لقطة مسجلة بالصوت والصورة على مواقع اليوتوب ، أن غابة معمورة ـ تقول السيدة نادية ـ هي اليوم فقط معمورة وينطبق عليها إسمها. هكذا بدا أن ألوف المغاربة عبر الأجيال بمن فيهم أهل الله الذين مرّوا من غابة المعمورة لم يصدقوا على إسمها حتى زارها السيد ياسين وابنته ومجموعة من أتباعه. يتلقى زعيم الجماعة هذا الحديث بالابتسامة والتقرير ككل الرؤى التي يبشره بها مريدوه وأتباعه. لا يوجد ما يدعو للخطأ حينما تتناول البشارات والنبوءات والرؤى مقاما لمرشد الجماعة حتى لو كان مقاما لم يبلغه الأولون والآخرون (لا وجود في الرؤية للاستثناء من نبي مرسل أو ملك مقرب) كما تحدثنا الرؤية السابقة لأحد مريديه. ومع ذلك لا تصلح صوفية عبد السلام ياسين أن تكون محل نقد كما تفعل الكثير من الجهات المدفوعة إلى هذا النوع من النقد لأسباب تتعلق باختياراتها العقائدية ضد التصوف ، مثل ما يصدر عن التيارات السلفية ، لا تميز بين أن يكون الصوفي مخزنيا مثل التوفيق أو روكي مثل عبد السلام ياسين أو بعيدا عن السياسة تمارس عليه بشكل آخر مثل سيدي حمزة ؛ فهؤلاء جميعا لقوا هجاء مذهبيا من ممثلي السلفية بأنواعها الثلاثة: الجهادية والتقليدية والبرلمانية معا. ولعل هذا ما نهجته السياسة الدينية في عهد وزير الأوقاف السابق الذي فسح المجال للسلفية كي تغزوا المؤسسات والمعاهد والجامعات قبل أن يفيقوا على أن خطرها لا يتوقف عند محاصرة الروكي المتصوف عبد السلام ياسين ، بل كانت تهدف تغيير ملامح الهوية الدينية للمغاربة بدءا من التصوف وانتهاء بالمذهب الأشعري نفسه الذي جاءت دور القرآن للمغراوي لكي تدخله ضمن أجندة الأفكار الضالة التي يجب محاربتها. وقد مثلت أحداث 16 ماي منعطفا على صعيد إعادة تشكيل الخطاب وهيكلة الحقل الروحي باتجاه التصويف بديلا عن التسليف. مع تأطير الوظيفة الدينية للعلماء والدعاة طبقا لأهداف ميثاق العلماء. هذا الأخير الذي جاء ليضع حدّا لهدير السلفية الجهادية والسلفية التقليدية المغراوية كما ليضع حدا للصوفية الجهادية اليسينية. بينما لم تكن مشكلة السيد ياسين تكمن في قناعاته الصوفية ولا حتى في قناعاته الإخوانية بل مشكلته في أنه وبإصراره على فكر إخواني تجاوزه الإخوان المسلمون في مصر أنفسهم وتصوره لسياسة لا يباشرها بالفقه بل يعالجها بتصوف ، اختار مبدأ التعطيل على الفاعلية من منطلق أنه يرفض أن يصبح كومبارس في مشهد سياسي استمرّ على وصفه بالفساد وعدم الشرعية أصلا. فإذا كان الجدل اليوم في المغرب جاريا حول علاقة الدين بالسياسة، فإن علاقة التصوف بالسياسة أمر لا تسلم به الأصوليات الإسلامية المغربية بدءا بالسلفية الجهادية مرورا بالسلفية التقليدية وانتهاء بالسلفية البرلمانية. كما لا يمكن أن تسري المشيخة الصوفية على قرارات التنظيم واختياراته. إن معصومية الخطاب الياسيني هي من يعيق تطور العدل والإحسان التي تتضمن الكثير من الطاقات الشبابية المؤمنة حقا والمخلصة لدعوتها . الحالة الصوفية الطاغية على فكر الجماعة ونظرتها للدين والسياسة جعلها أسيرة التحولات الجارية اليوم في المجتمع المغربي بل شكلت مصدر إحراج لأبنائها. هذا الانزواء لا يكفي تفسيره بالمداهمات المتكررة على مجالس النصيحة، التي أصبحت أمرا مألوفا بين الجماعة وقوى الأمن.
لا شيء ملفت للنظر
في هذا الهدوء الذي طبع سلوك الجماعة خلال عام 2010م ركزت الجماعة نشاطها على مستويين: الطابع الاحتجاجي على تصرفات الأمن ضد مجالس النصيحة، والطابع التضامني مع القضية الفلسطينية. ويشكل الأمران الريع النضالي الممكن للجماعة في غياب أي ملامح لاندماج الجماعة في العمل السياسي. في هذا السياق وبمناسبة اليوم العالمي للإعلان العالمي لحقوق الإنسان نشرت رابطة محاميي جماعة العدل والإحسان حصيلة محاكمات الجماعة طيلة 55 شهرا الماضية ، تبتدئ من 24 ماي 2006 وتنتهي في 10 دجنبر 2010. سجلت فيه الجماعة أرقاما، كما حددها البلاغ المذكور كالتالي:
عدد المختطفين (15) ، عدد المتابعين (1288) ، عدد النساء (73)، عدد الأطفال القاصرين (15) ، عدد الطلبة (66) ، عدد الجمعيات المتابعة أمام القضاء(12) ، عدد الذين زج بهم في مخافر الشرطة(7055) ، عدد النساء الذين زج بهن في مخافر الشرطة (1167) ، عدد الأطفال الذين زج بهم في مخافر الشرطة (35) عدد الملفات الرائجة(221 ) ، عدد الملفات التي صدر فيها حكم ابتدائي(154)،عدد الملفات التي لم يصدر فيها حكم بعد(67) عدد الملفات التي صدر فيها حكم بالإدانة(97) ، عدد الملفات التي صدر فيها حكم بالبراءة(63) ، عدد الملفات التي صدر فيها قرار استئنافي بالبراءة(22) ، عدد الملفات التي صدر فيها قرار استئنافي بالإدانة (24)عدد قرارات المجلس الأعلى القاضية بقانونية جماعة العدل والإحسان وشرعية اجتماعاتها(04)، مجموع المبالغ المحكوم بها كغرامات على أعضاء الجماعة: (5527215.00) درهم. عدد الأيام المحكوم بها بالحبس النافذ والموقوف على أعضاء الجماعة: (7520)يوم .6
في الوقت الذي تعكس فيه هذه الأرقام سعي الجماعة إلى تكريس حالة المظلومية والاحتجاجية الدائمة ، فإنها تعكس إرادة دفينة عند الجماعة المذكورة لتسجيل حضور سياسي بامتياز. إنها لا تبرح الصورة النمطية لطقسها النضالي الذي تسعى للحفاظ عليه في انتظار ليس القومة حسب ما تحث عليه أدبيات الجماعة ، بل في انتظار الانفراج الذاتي للجماعة ودخولها العملية السياسية حسب ما يفرضه الواقع . وباستثناء بعض الحالات التي تبدو تصعيدية قبل أن تخبو هي الأخرى ، لم تشهد هذه السنة صداما ملفتا بين الحركة والنظام خارج الروتين الأمني الذي طبع علاقة الجماعة بالسلطات. لكن بقي نوع من المد والجزر بينهما، عادة ما يأخذ طابع مداهمات لجلسات النصيحة ويكاد يكون الأمر روتينيا ما عدا ما كان من أمر محاكمة الأعضاء الثمانية الذين تم الحكم ببراءتهم من قبل المحكمة الابتدائية لمدينة فاس7. وقد عملت الجماعة على تحشيد طاقم من المحامين من دول أوربية ، معتبرة أن ملف الثمانية إن هو إلاّ استهداف لجماعة العدل والإحسان كجماعة سياسية دعوية. ومن حسن الحظ أن المحاكمة جرت في أجواء مشحونة على إثر أحداث العيون الأخيرة ، ومسيرة البيضاء وإعراب الجماعة عن موقفها الثابت من قضية الصحراء. حينها اعتبرت الجماعة بأن الحكم ببراءة الثمانية هو انتصار للتيار الراشد داخل الحكم. ولم يكن يوجد ما يؤكد على أن الدولة كانت تروم التصعيد مهما بدا الملف مثقلا بتهم خطيرة. فبين الدولة والجماعة لا يوجد تصعيد، بل يوجد فقط خطاب مرموز. ومع أن الريسوني في تعليقه على ذلك لمّح إلى اعتبار البراءة سياسية ، إلا أن الجماعة اعتبرته انتصارا للرأي الراشد في الدولة. لأوّل مرة يسجل تحول في خطاب الجماعة التي بدأت تتحدث عن تيار راشد داخل الدولة وآخر غير راشد. وهذا التمييز في عرف السياسة معناه بداية الاستعداد للقبول بالمشاركة السياسية على قواعدها؛ لكن هذا يتطلب شيئا من الوقت. ولم يعد أمام الجماعة الكثير من الوقت للبحث عن هويتها الجديدة بعيدا عن كاريزما الشيخ؛ فحينما تنتهي الكاريزما يبدأ التنازل. وكل الوقائع تؤشر على أننا أمام ثابت الكر والفر بين الدولة والجماعة محوره مجالس النصيحة. إنها لغة إثبات الوجود من الطرفين. وقد استقبلت الجماعة عاما جديدا على إيقاع الاقتحامات الروتينية لمجالس النصيحة، مثل ما حدث في منطقة أكليم بنواحي مدينة بركان، إذ اقتحم مجموعة من رجال الدرك مسكنا يحتضن "لقاء تواصليا" لعضو مجلس إرشاد الجماعة عبد الكريم العلمي مع أعضاء الجماعة بالمنطقة. حيث تم اعتقال عبد الكريم العلمي بالإضافة إلى 100 عضو من التنظيم، ليطلق سراحهم في اليوم التالي8. تحتاج الدولة إلى هذا السلوك لتكريس هيبتها كما تحتاج العدل والإحسان لهذا السلوك لكي تكرس مظلوميتها. ثم لا شيء من المتوقع أن يحدث بين الدولة والعدل والإحسان.
**** 1 ـ المساء 22/03/2009م 2 ـ يتحدث سيد حمزة في هذا الحوار عن الأطراف التي ساهمت في تصحيح الصورة عن الزاوية قبل أن يرفع الحصار عنها . يتعلق الأمر بوساطة من قبل نسيبه عبد الله الصويري الذي كان على صلة بمستشار الملك الفقيه الركراكي الذي التقى بسيدي حمزة وتعرف مباشرة عن مواقفها من الشيخ حمزة مباشرة . انظر المصدر السابق
3 ـ http : www.yassineonline.net/khilafa/intro.htm
4 ـ انظر موقع العدل والإحسان 5 ـ مجمل هذه الرؤى معروضة في موقع الجماعة ، انظر أيضا : موقع الخرافة للرّد على العدل والإحسان ومرشدها عبد السلام ياسين 6 ـ الموقع الإلكتروني لجماعة العدل والإحسان 7 ـ موقع جماعة العدل والإحسان 8 ـ هسبريس :Monday, January 03, 2011
|
|
3012 |
|
0 |
|
|
|
هام جداً قبل أن تكتبو تعليقاتكم
اضغط هنـا للكتابة بالعربية
|
|
|
|
|
|
|
|