للأخوة حدود، ولوظائف الدولة أعباء ومسؤوليات، إنها اليوم القاعدة الذهبية التي يبدو أنها ستحكم علاقة حزب العدالة والتنمية بمكونات عائلته الإيديولوجية. وسيكون من حسنات انتقاله من المعارضة إلى التدبير الحكومي، إحداث هذا التوضيح الضروري الذي كان غيابه في السابق مثار التباسات طرحت أكثر من علامة استفهام حول موقف حزب العدالة والتنمية من التيارات الدينية الأكثر أصولية.
قالها عبد الإله بنكيران بوضوح لجماعة العدل والإحسان، إن الإختلاف في الرأي وفي التقدير السياسي أمر مشروع ومجال تدبيره هو الجدل والحوار، أما استهداف الدولة والنظام العام، فتلك ممارسات تقع تحت طائلة القانون. وبدوره كان وزير العدل مصطفى الرميد صريحا واضحا في موقفه من ملفات السلفية الجهادية، وهو يؤكد أن النضج والارتقاء الفكري أمران لا محيد عنهما في الحوار، مثلما أن التورط الصريح في العنف وإراقة الدماء دائرة حمراء لا تقبل النقاش أو التشكيك.
ها نحن إذن، ورويدا رويدا، ننتقل من الوظيفة المنبرية الخطابية إلى مواقف رجالات الدولة، إن ذلك، لا يضفي فقط صفة النضج في تحمل المسؤؤلية العمومية علي قيادات العدالة والتنمية، ولكنه أيضا، يزيد من توضيح تموقعات الحزب واختياره الاصطفاف إما مع القوى الوطنية والديمقراطية، أو مع تيارات الرجعية والاستبداد الخليفي.
إنما ما زال الحزب بحاجة إلى كبح جماح النزوع الهيمني المتعالي لحركة التوحيد والإصلاح عليه، إن الحركة وبكل التدقيق الممكن، ما تزال تعتبر الحزب أداتها في العمل السياسي، وهي تقيم تحمله المسؤولية بالعائد الدعوي الذي يحققه للحركة، لست أقول بالقطيعة بين الحزب والحركة، إنما أن يستوعب الحزب أنه اليوم، وبالنظر لموقعه الجديد، أصبح مسؤولا عن كل المغاربة وجميع ملفات المغرب، وليس فقط عن تيار داخله وملفات أخلاقية ودعوية بعينها.
سأوضح الفكرة أكثر، يهمني أن يستمر الارتباط بين الحركة والحزب، لكن دون أن يخضع الحزب للحركة، إن عدم الخضوع سببه التزامات الانتقال من الدعوة إلى السياسة، ومن السياسة إلى التدبير، أما ضرورات استمرار الارتباط، فمكمنها في أن إضعاف الجناح الدعوي للحزب، سيفرغ المجال للسلفين والعدل والإحسان كي يقتاتوا من القاعدة الاجتماعية المتدينة لحزب العدالة والتنمية.