توعّد "حزب التحرير" السّلفي التونسي القوى العلمانية المحلّية بحرب لا تبقي ولا تذر وأشبعها اتّهامات، رافعا تشكيلة عشريّة من اللاآت الدّالة على مشروع الحزب لـ"تنظيم حياة الأمة".
وتزامن الهجوم السّلفي مع اعلان آخر ائتلاف لأحزاب معارضة، يتمثّل في تحالف ثلاثي يلتقي في الاتجاه السياسي تقوده "حركة التجديد"، الشيوعي سابقا، ويضمّ حزبي "العمل التونسي" و"القطب الديمقراطي الحداثي".
ثلاث عشرة "لا"
فقد لوّح الناطق الرسمي لـ"حزب التحرير" رضا بلحاج خلال فعاليات الندوة التي نظمها حزبه الأحد بقليبيا - حمام الأغزاز، بعنوان "العلمانية حرب على الإسلام والمسلمين"، بالجهاد ضد العلمانية وأخواتها، ناعتا إيّاها بـ"الطّابور الخامس" وبـ"المستوطنات الفكرية والسياسية للنظام الرأسمالي في بلاد الإسلام".
وأضاف وهو يخاطب حشدا كثيفا من الرجال والنساء من مختلف الأعمار "مثلما سنزيل المستوطنات الإسرائيلية، سنزيل المستوطنات العلمانية المدجّجة بكل أدوات الإستعمار"، متوعّدا كذلك الغرب، وفرنسا بالذّات، بـ"مفاجئة كبرى، بإذن الله"، قائلا "إنها الحرب بيننا".
ويذكر أن الحزب لم يُمنح إلى الآن ترخيصا قانونيا، إلا أن بلحاج كان قد اعتبر أن حزبه الذي "يملك مشروعا متكاملا ودستورا ينظم حياة الأمة، حصل على الترخيص الشعبي" وانه "حزب عتيد يعمل منذ عهد بورقيبة ولا يحتاج لترخيص قانوني".
وشدّد المحاضر خلال حوالي ساعة على حزمة من اللاآت "لا للعلمانية، لا لللائيكية، لا للدولة المدنية، لا للحداثة، لا للديمقراطية، لا للإنتخابات، لا لفصل الدّين عن السياسة".
وكان الجمهور قد ردّد في فترة "أجواء ما قبل النّدوة" أنشودة جاء فيها:
لا علماني لا جمهوري ... إن القرآن دستوري
لا يميني لا يساري ... والتحرير هو اختياري
وإذا أضفنا ما ردّده عشرات من مناصري الحزب خلال تظاهرة في شارع الحبيب بورقيبة الرئيسي بالعاصمة للتنديد بزيارة المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستين لاغارد لتونس، عندما هتفوا "لا يورو لا دولار هذه عملة الاستعمار... ولا للاستعمار الجديد"، يرتفع عدد اللاآت إلى ثلاث عشرة.
الـ"مطبّـات" الإنتخابية
قلّل بلحاج من أهمية انتصار حزب "النهضة" في انتخابات المجلس التأسيسي التي جرت في أكتوبر/تشرين الأول واعتبرت حدثا تاريخيا حيث كرّست أول عملية انتخابية بعد ثورة 14 يناير/كانون الثاني الماضي 2011.
لا يميني لا يساري ... والتحرير هو اختياري
وتحدّث بلحاج عن "مطبّات"، في إشارة ضمنية إلى "تزوير"، رافق الإقتراع ومعتبرا بأن "القانون الإنتخابي" الذي أعدّ للإنتخابات "قائم على المحاصصة"، مضيفا بأن الذين شاركوا في "اللّعبة الديمقراطية هم قلّة من المهتمّين كثيرا بالسياسة".
وقال بلحاج "صراعنا فكري وكفاحنا سياسي"، رافضا في نفس الوقت ما يقال حول "الصراع المفتعل بين اسلام سياسي وعلمانية".
إلّا أن تصريحاته أثارت استهجان عديد المتابعين والناشطين على الفيسبوك واعتبروا عنتريات الحزب، الذي ينشر الفتن ويضلّل النّاس بالجدال العقيم والمهاترات والشّعارات الرنانة والطنّانة، تهديدا للدولة المدنية ودعوة صريحة إلى العنف.
عنف متواصل
ويعلل هؤلاء اتّهاماتهم بالإعتداءات اللّفظية والجسديّة المتعددة والمتنوعة من طرف بعض المنتمين الى السّلفية، والتي طالت حتّى رجال الأمن.
ومن آخر التّجاوزات التي تحدّثت عنها الصحافة المحلّية خلال الأيام القليلة الماضية، تجمهر عشرات من الملتحين امام "معهد فطومة بورقيبة" بالمنستير على خلفية منع تلميذات منقّبات من الدخول إلى المعهد، بموجب منشور وزاري. واضطرّت الإدارة إلى غلق المعهد تفاديا لما لا يحمد عقباه.
وقبلها بأيام، هاجم عشرات الملتحين المطعم الجامعي بالحي الجامعي "الغزالة" بمدينة سوسة، مستعملين الهراوات والأسلحة البيضاء، قصد منع اجتماع عام يقوم به نشطاء الاتحاد العام لطلبة تونس داخل المطعم. وحدثت مناوشات أسفرت عن سقوط جرحى إصاباتهم ليست خطيرة.
في المقابل، يقرّ العديد من المواطنين بأن للملتحين دورا إيجابيا في المجتمع. فقد قامت مجموعة منهم بـ"حملات نظافة" أزيلت خلالها لافتات ترويجيّة ورسوما "لاأخلاقيّة" من بعض الجدران.
"كلنا سلفيين"
وتعدّدت كذلك الإتهامات ضد حزب "النهضة" الحاكم بالتّغاضي عن عنف السلفيين.
إلا أن رئيس كتلة الحركة بالمجلس الوطني التأسيسي ومدير جريدة الفجر، الصحبي عتيق، اعتبر أن السّلفيين هم "تونسيون قبل كل شيء".
وأضاف عتيق في حوار مع إذاعة شمس اف ام "نحن مع فتح حوار مع السلفيين". وأشار أن "التيّار السّلفي ليس كله متطرّفا" وان "تنامي هذا التيار سببه غلق النظام السابق لكل فضاءات الحوار مع الشباب وخاصة القضاء على التيار الإسلامي المعتدل المتمثل في حركة النهضة واعتماد سياسة تجفيف المنابع".
وقال أن "النهضة مع منح التأشيرة لأي حزب يلتزم بضوابط العمل السياسي المدرجة في قانون الأحزاب، بما في ذلك حزب التحرير".
وعرّف المسؤول النّهضاوي السلفية بأنها "دعوة للعودة إلى السلف الصالح ونبذ الفرقة". وقال "كلنا سلفيين".
لكن السّلفيين، الذين لا يؤمنون بالتعددية وحق الاختلاف مع الغير وبـ"ديمقراطية الكفر" ولا بـ"الديمقراطية الملتحية"، ينظرون إلى العلمانيين والليبراليين بأنهم "خارجين عن الدّين وكفرة".