|
|
|
|
|
أضيف في 11 فبراير 2012 الساعة 20 : 18
هم أشخاص سيطرت عليهم هلوساتهم، فجعلتهم يخرجون إلى العلن ليخبروا الناس بأنهم تلقوا رسالات سماوية وضعتهم في مرتبة الأنبياء والزعماء المؤهلين لقيادة الأمة الإسلامية في حروبها المرتقبة ضد أعدائها. استخدموا العبارات الرقيقة والابتسامة لإضفاء البشاشة على وجوههم من أجل حث الناس على اتباعهم، الأمر الذي جعل منهم موضعا للسخرية، وعرضة لاتهامات الآخرين بالمس بالمقدسات الدينية. لم تكن أفكار عبد الله وسلوكاته المثيرة للشك والاستغراب تخفى عن ساكنة سيدي مومن، التي ترعرع بين أبنائها. أفكار وسلوكات كان يربطها المحيطون به بمعاناته الدفينة جراء فقدانه لوالدته، والمعاملة السيئة التي كان يتعرض لها طوال مرحلة طفولته على يد زوجة الأب، وانعكست بشكل سلبي على نفسيته، قبل أن تحوله إلى شخص غير سوي «كيدخل ويخرج فالهضرة». لكن لم يتصور أحدهم أن هلوساته قد تتخذ في أحد الأيام من الدين موضوعا لها. «أنا المهدي المنتظر!» تغيرت طباع عبد الله بشكل ملحوظ بمجرد أن قرر الخروج من ظلمات الجهل، والاستفادة من دروس محو الأمية كي يتعلم أبجديات القراءة والكتابة، فلم يعد يخالط أصدقاءه ورفاقه من أبناء الحي، وصار يقضي ساعات يومه في حفظ القرآن، ويتردد على المسجد بشكل يومي لأداء الصلاة. لم يقتصر التغيير على سلوكاته فحسب، بل شمل حتى مظهره الخارجي وطريقة لباسه، بحيث قرر الشاب الذي تخطى عتبة العشرين من العمر التمرد على نمط اللباس السائد بين الشباب، وصار لا يرتدي سوى الجلابيب ذات اللون الأبيض، ويضع على رأسه عمامة خضراء. ظلت أسباب التتغيير المفاجئ الذي طرأ على عبد الله مجهولة بالنسبة للمحيطين به إلى أن تلاشى الغموض الذي كان يلفها في اليوم الذي سيفاجئ فيه أفراد أسرة الشاب وجيرانه الذين كانوا مجتمعين داخل خيمة عزاء بعبد الله يلج المكان، ليقف وسط الخيمة، ويخاطب الموجودين بكلمات رقيقة مخبرا إياهم بأنه المهدي المنتظر الذي سوف يملأ الأرض قسطا وعدلا! حول عبد الله المكان الذي يفترض أن تحتضن أرجاؤه الجنازة إلى منبر يلقي من خلاله خطبته، ويبلغ مضامين الرسالة السماوية التي تلقاها من جبريل الذي نزل عليه ليخبره بكونه المهدي المنتظر الرسول الذي سيقضي على مظاهر الظلم والفساد السائدة داخل المجتمع. كانت مضامين الخطبة كفيلة بجعل جميع الحضور يستشيطون غضبا لما سمعوه على لسان عبد الله، ويقررون طرده خارج الخيمة بعد أن انهالوا عليه ضربا وأمطروه بوابل من الشتائم. عقاب قاس فرض على الشاب الاختفاء لوقت طويل عن الأنظار قبل أن يعود مجددا لاستئناف دعوته وسط تجاهل الآخرين له، بعد أن صاروا يتعاملون معه باعتباره مريضا نفسيا، ويتحاشون الحديث معه في أي مناسبة. «البلومبيي» قائد الأمة الإسلامية يبدو الأمر بالنسبة إلى حميد أكثر جدية ولا يحتمل التأخير، فالحرب الأخيرة بين المسلمين واليهود صارت وشيكة حسب الرجل الثلاثيني، وتتطلب من المسلمين الاستعداد خلال السنوات الثلاثة المقبلة. حرب وشيكة تفرض عليه حشد الجيوش في أسرع وقت ممكن، فلقد تلقى رسالة سماوية تخبره بأنه الشخص الذي اختير للقيام بتلك المهمة. نزل الوحي على حميد الذي يعمل رصّاصا «بلومبيي» بعد عيد الفطر الأخير بأيام قليلة، لكن ليس ليخبره أنه الرسول المختار بل بأنه الشخص الذي سيقود الأمة في صراع البقاء الأخير مع أعداء الإسلام حتى يرث الله الأرض ومن عليها، ولهذا السبب قرر الرجل الذي لطالما تميز بشخصيته الانطوائية الخروج من عزلته، كي يحث الناس على اتباعه. لم يندهش كثيرا المقربون من حميد لما سمعوه هاته المرة، فلقد اعتادوا أن يسمعوا على لسانه مثل تلك الروايات الخيالية، التي جعلتهم على يقين بأنه يعاني من مرض نفسي، يتطلب منه اللجوء إلى طبيب نفسي، لذلك قرروا أن يكتفوا بتجاهل كلامه، ما دام الأمر لم يتعد بعد حدود الهذيان ولم يصل إلى تصرفات من شأنها أن تهدد سلامتهم. الدعوة اليونسية على عكس عبد الله وحميد اختار يونس أن يطرق باب عدد من الجرائد، معتبرا أن تلك الوسيلة ستكون الأسهل والأسرع لتبليغ دعوته، فحمل معه «دعوته» مدونة بخط اليد وطلب نشرها، في إصرار تام على تحدي من سماهم فقهاء الدين وعلماءه ومرتزقته من مصطنعي اللحي الذين دعاهم إلى فتح باب النقاش ومقارعة الحجة بالحجة في حال لم يتقبلوا ما جاء به، إسوة بما فعله النبي محمد صلى الله عليه وسلم مع أهل قومه بمكة عندما جاء بالدين الإسلامي أول مرة. لم يكن يوجد بين ثنايا ملابس يونس أية إشارة دينية أو رمز يحيل على انتمائه لجهة أو جماعة معينة، فلقد كان يرتدي ثيابا عادية مواكبة للموضة السائدة بين الشباب، تعكس تناقضا صارخا بين مظهره الخارجي وطريقة كلامه والأفكار التي يحاول التعبير عنها. تحدث يونس عن وصول وقت جهره ب«الدعوة اليونيسية» نسبة إلى يونس، الذي قال عنه أنه كان أول الإشارات في نبوته بعدما اكتشف ذات يوم أن سورة يس في القرآن الكريم هي العلامة الأولى التي تكلم الله بها معه، فالحرف الأول والأخير من السورة ليسا سوى الحرفين الأول والأخير من إسمه! كان يونس يحكي بكل ثقة عن اليوم الذي تلقى فيه الوحي منذ نحو ست سنوات، وتزامن مع ليلة القدر من شهر رمضان. فلقد تلقى الشاب العشريني في تلك الليلة الممطرة الأمر الإلاهي بالنزول للشارع، وحث الناس على اتباعه بشرع دعوته التي جاءت لتختم الرسالات السماوية! مازال الأمر يختلط على يونس حين يسأل من طرف المحيطين به حول ما إذا كان سيأتي بدين جديد، فالمهم بالنسبة له هو ذاته. وحتى ما أطلق عليه ميثاق «دعوته» يتضمن نصوصا من القرآن من أجل الاستدلال أو تأكيد المعاني. لكنه يأكد على أنه جاء ليصحح الإسلام، ولا يريد أن يكون وليا صالحا ولا داعية وناشطا إسلاميا، بل نبيا مرسلا كما حدثته الأصوات التي سمعها في ليلة القدر. يعيش يونس في كنف أسرة مستقرة ماديا واجتماعي، ولم يسبق له أن عانى من اضطرابات نفسية أو عصبية تطلبت عرضه على طبيب نفسي، كما أنه لا يتعاطى أي نوع من المخدرات بل لم يسبق له حتى أن دخن سيجارة واحدة، بالإضافة إلى أنه اعتاد الحصول على نتائج إيجابية خلال مشواره الدراسي، غير أن الأفكار التي عبر عنها جعلت الشكوك تساور أفراد أسرة بخصوص حالته النفسية وتحاول إقناعه بزيارة طبيب نفسي، وهو ما يرفضه يونس، الذي يصر على إتمام مهمته في تبليغ الدعوة اليونسية. شادية وغزو
|
|
2707 |
|
0 |
|
|
|
هام جداً قبل أن تكتبو تعليقاتكم
اضغط هنـا للكتابة بالعربية
|
|
|
|
|
|
|
|