|
|
|
|
|
أضيف في 10 فبراير 2012 الساعة 46 : 11
كتب: السنوسي محمد السنوسي "اسمع.. فيه حاجة الأفنديات المدنيين مايفهموهاش، لكن أنت قارئ تاريخ وتفهمها؛ الجيش دخل السياسة؛ معنى كده أنه لن يخرج من السياسة قبل ثلاثين سنة، وأنا لمّا بافكر في طريقة للتعدد السياسي والمؤسسات وغيره، عايز أعمل توازن في الحياة المدنية مع القوات المسلحة، ده الواقع اللي لازم نعرفه، إن كان عاجبنا ولا مش عاجبنا".
هذه هي نبوءة الرئيس السادات -رحمه الله- التي تحدّث بها للكاتب الكبير أحمد بهاء الدين الذي سجّلها في كتابه "محاوراتي مع السادات".
دار هذا الحديث بينهما في جلسة خاصة، كانت -كما هو واضح من سياق الحديث- قبل أن يُعلن السادات في مارس سنة 1976، عن تشكيل ما سمّي بـ"المنابر السياسية"، والتي تحوّلت فيما بعدُ إلى الأحزاب السياسية الثلاثة الأولى في الحياة الحزبية المصرية بعد الثورة.. وكانت أيضا بعد حرب أكتوبر بفترة؛ إذ ليس من المعقول أن يجري الحديث حول التعددية السياسية، والبلد يستعد للحرب أو خارج من الحرب مباشرة.
يعني الحديث جرى تقريبا عام 75 أو 76، منذ 35 سنة تقريبا؛ يعني ما رحناش بعيد أوي عن المدى الزمني الذي تنبّأ فيه السادات لخروج الجيش من السياسة.
وهي نبوءة من السادات استخلصها من رؤية استراتيجية لمصر وللأطراف الفاعلة فيها، وتدلّ بلا شك على عبقريته السياسية مهما اختلفنا حول بعض مواقفه وسياساته الداخلية والخارجية، وتزيدنا يقينا بأنه حانت ساعة الحسم لعلاقة السلاح بالسياسة.
السلاح والسياسة بين حربين أحبّ في البداية أن أشير إلى رأي الصحفي المعروف الأستاذ محمد حسنين هيكل في الفرق بين علاقة السلاح بالسياسة في نكسة 67 وفي حرب 73؛ حيث يرى أن "السلاح خذل السياسة سنة 67، بينما السياسة خذلت السلاح سنة 73"؛ ففي النكسة ارتفعت الطموحات والآمال السياسية إلى حد كبير، لكن السلاح لم يستطِع أن يحققها على الأرض ويترجمها إلى انتصار على "إسرائيل المزعومة" كما كان يُقال في ذلك الوقت. بينما في حرب أكتوبر أحرز السلاح نصرا عظيما بَهَر العالم أجمع، لكن السياسة لم تستطِع أن تحتفظ به كثيرا وتترجمه في صورة مكاسب سياسية محددة وتفرض شروطها على العدو المهزوم.
ومع اتفاقي في تحليل الأستاذ هيكل عن حرب 73، إلا أنني أختلف معه في رأيه عما سُمي "نكسة 67"؛ لأن ما يراه الأستاذ هيكل من ارتفاع الطموحات والآمال السياسية قبل النكسة، لم يكُن في حقيقته إلا شعارات جوفاء وخطبا عنترية لم تستند إلا على حكم ديكتاتوري، حجب -بسبب ظلمه وبطشه- الرؤيةَ الصواب عن صانع القرار، بل أوجد "بيئة عفنة" من النفاق والغش والخداع جعلت القادة العسكريين ساعتها يتوعّدون "إسرائيل المزعومة" بالكلمات والشتائم، لا بالقوة والخطط والتدريبات.
وهذا يشير إلى أي مدى يكون الجو الديكتاتوري غير مؤهل لتحقيق أي انتصار؛ سواء على مستوى الداخل بإيجاد تنمية حقيقية في كل المجالات، أو على المستوى الخارجي بتحرير الأرض، وتبوّؤ مكانة بارزة على الخريطة العالمية.
المهم.. نرجع إلى موضوعنا ونقول إن موقع مصر الجغرافي جعلها في حالة صراع دائم مع قوى متربصة، سواء قبل الإسلام أو بعده، وهذا أعطى الجيش المصري وضعا أساسيا وجوهريا في إدارة البلاد، وتوجيه كل الطاقات نحو صد العدوان الخارجي، والوقوف ضد الأطماع والقوى المتربصة.
ولذلك كان يُقال في فترتَي الخمسينيات والستينيات: "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة"، أي ليس من المعقول أن يتم الحديث حول الحقوق الديمقراطية -من تكوين الأحزاب، وتداول السلطة، وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية- بينما البلاد في حالة اشتباك مع عدوان واحتلال.
ومع أن هذا "المنطق" له وجاهة بعض الشيء، إلا أنه ثبت بالدليل القاطع أن ضرره أكبر من نفعه، وأنه أدّى إلى الفشل الذريع سواء في الداخل أو الخارج.
ولبيان خطأ هذا "المنطق" يكفي أن نشير إلى أن "إسرائيل المزعومة" التي لم تعرف الهدوء العسكري منذ أنشئت، تعتبر أفضل تجربة ديمقراطية في المنطقة، ولم تعطّل الحياة الديمقراطية فيها تحت زعم وجود عدوان واشتباك، بل كانت هذه الديمقراطية سببا أساسيا في أن تتفوق على الجيوش العربية في أكثر من عدوان.
إن خلاصة تجربتنا المريرة في العقود الماضية أن أي دولة لا تستطيع أن تواجه ضغط القوى الخارجية إلا على أساس متين من الاستقرار الداخلي، ووحدة الصف التي لن تتحقق بشكل كافٍ إلا في ظلال الديمقراطية، واحترام حقوق الإنسان، والتعددية السياسية.
ديكتاتورية.. ليست عيبا أمر آخر.. أن الحكم العسكري غير قادر على أن "يلد" حكما ديمقراطيّا، وهذا ليس عيبا فيه، بل هذا هو المنطقي.
لماذا..؟!! لأن الحياة العسكرية لا تبنى على تعدد الآراء والاجتهادات ووجود معارضة متصارعة، كما هو الحال في الحياة المدنية، بل تُبنى على الصرامة والانضباط والالتزام الحرفي بالأوامر وعلى السرية في التفكير والتنفيذ، والمباغتة في التحرك.. هذا هو الشأن الذي يجب أن تكون عليه، وإلا لما حافظت الجيوش على وحدتها وحققت انتصارات.
فالأمر الذي يكون "ميزة" في الحياة العسكرية، هو في الوقت نفسه "عيب" في الحياة المدنية.
أنت حين تقول: "هذه السكين حادة وقاطعة"، فأنت تمدح السكين؛ أما إذا قلت: "إنها لينة صدئة لا تقطّع"؛ فأنت تذمّها وتعيبها.
فإذا وصفنا "حكم العسكر" بأنه لا يتناسب مع الديمقراطية؛ فهذا ليس ذما فيه بأي حال من الأحوال، وإنما هو تحديد لطبيعة كل من العسكر والمدنيين.. العيب هو أن يشتغل العسكر بالسياسية؛ أما إدارتهم للبلاد في ظروف استثنائية مثلما حدث بعد ثورة 25 يناير، فهذا أمر يُقبل فقط في إطار تنفيذ وعودهم بإدارة الفترة الانتقالية حتى يتم تسليم السلطة إلى مدنيين منتخبين.
لقد عانيا الكثير من جراء تدخل العسكريين في السياسة منذ ثورة يوليو 52 التي كانت انقلابا تحوّل إلى ثورة بعد تأييد الجماهير ومساندتهم له، وبعد أن التزم أصحاب الانقلاب في البداية بـ"إقامة حياة ديمقراطية سليمة"، لكن ظللنا أكثر من 60 سنة ننتظر تحقيق هذا الهدف الذي أعلنته الثورة ضمن أهدافها الستة.
خطأ استراتيجي الجيش -بكل ما يتصل به من ميزانية وتسليح- هو جزء استراتيجي من القرار السياسي، وليس مساويا له ، ولا وصيّا عليه، فضلا أن يكون منعزلا ومستقلا عنه!! هذا هو الوضع الأمثل للجيش إذا أردنا حياة ديمقراطية راسخة؛ فالجيش هو مؤسسة من مؤسسات الدولة التنفيذية، صحيح أن طبيعة عمله تجعل منه مؤسسة ذات مواصفات خاصة، لكنه في النهاية يخضع للقرار السياسي ويلتزم به ويسعى لتحقيقه على أرض الواقع في صورة حماية لحدود البلد، وتوفير قدرة ردع وصد للقوى المتربّصة والعدوان الخارجي.
أنا لا أُنكر أنه بعد الثورة وانفتاح أبواب الحرية على آخرها، وبسبب بعض المواقف، جرى انتهاك لحرمة المؤسسة العسكرية، وتم تناولها بشيء من "الاستخفاف" في صحف وفضائيات وتظاهرات، وهو ما يشير إلى عدم النضج، وعدم الوعي على المستوى الاستراتيجي بما يجب أن تكون عليه المؤسسة العسكرية.
من الناحية الاستراتيجية يجب أن تكون تلك المؤسسة محل إجماع وثقة وتقدير، وأن يتم تناول ما يتصل بها بقدر كبير من المسئولية وفي أضيق الحدود.. لا أن يكون الأمر مشاعا في الفضائيات والتظاهرات.. فهذه خسارة استراتيجية لمصر.
مع الأسف البعض يتحدّث عن الجيش المصري كأنه يتحدّث عن الجيش الإسرائيلي.. هل لهؤلاء عذرهم في أنهم لم يحضروا أيّا من بطولات جيشنا العظيم التي يفخر بها كل مصري؟ هل لأن "مطلب الوقت" -وهو إقامة الديمقراطية- يعمي أعينهم عن مطلب آخر لا يقل أهمية، وهو الحفاظ على مكانة الجيش في الوعي العام؟
أيّا كان السب.. فيجب أن نفكّر جديا في كيفية ترميم هذه الصورة التي يجب أن تكون راسخة وواضحة وضوح الشمس.
وأعتقد أن أهم وسيلة للحفاظ على مكانة الجيش في الوعي العام -كخطوة استراتيجية لا يمكن إغفالها أبدا- هو حسن إدارة ما تبقّى من الفترة الانتقالية بما ينشئ ديمقراطية حقيقية، تعرف كيف توازن بين حقوق السياسة ومتطلبات السلاح، وتضبط العلاقة بينهما بما يحفظ للوطن وحدته ومكانته وبما يحقق للمواطن حقوقه وكرامته وآماله.
فذلك سيكون إنجازا آخر يضاف للمجلس العسكري الذي انحاز إلى الثورة ولمصر، وعليه أن ينحاز للمواطن والديمقراطية أيضا.
|
|
2426 |
|
0 |
|
|
|
هام جداً قبل أن تكتبو تعليقاتكم
اضغط هنـا للكتابة بالعربية
|
|
|
|
|
|
|
|