بقلم: علاء بيومي
أرفض الانجرار وراء أي دعوة للصدام بين مصر وأميركا في الوقت الراهن منطلقا من المصلحة الوطنية المصرية ذاتها لأكثر من سبب:
أولا: مصر تمر بمرحلة انتقالية صعبة ومازلنا في انتظار أن تتولي السلطة في مصر حكومة منتخبة تمثل الشعب المصري وإرادته وترعى مصالحه حول العالم من خلال إستراتيجية واضحة وإيجابية.
ثانيا: تحديات المرحلة الانتقالية عديدة داخليا وخارجيا، ففي الداخل لدينا مشاكل الأمن والاقتصاد وتحديات التحول السياسي نحو الديمقراطية، وفي الخارج لدينا منطقة تمر بتحولات عاصفة وقد تتعرض لقلاقل أكبر في حالة تدهور الأوضاع في دول كسوريا أو إيران أو تدهور الوضع الأمني في دول قريبة كليبيا، وهي أمور لا نتمناها.
وفي ظل هذه الأوضاع لا تحتاج مصر مشاكل إضافية خاصة مع دولة مثل أميركا تتلاقى لديها خيوط "حل وتأزم" قضايا دولية عديدة اقتصادية وسياسية وأمنية، فحتى الحصول على قروض دولية يمر بشكل أو أخر عبر واشنطن.
ثالثا: الثورة وضعتنا في نقطة انطلاق جيدة وحسنت من صورة مصر عالميا، ومن غير المنطقي أن نبدد رصيد الثورة ونحول مصر من بلد قريب من الرأي العام الأميركي لبلد يدخل في صراعات مع القوى السياسية الرئيسية بواشنطن (البيت الأبيض والكونغرس) بلا إعداد أو تقديم أو إستراتيجية واضحة.
فواشنطن لا تفتقر لقوى سياسية متشددة (في أوساط لوبي إسرائيل واليمين الأميركي على سبيل المثال) تعمل بشكل مستمر للحد من النفوذ العربي والمصري بواشنطن ولصياغة موقف أميركا تجاه الربيع العربي يخدم مصالحها، ونحن لا نحتاج لمواجهة غير محسوبة العواقب مع تلك القوى.
رابعا: المواجهة الراهنة بين الحكومة المصرية ونظيرتها الأميركية بخصوص المنظمات الأميركية العاملة في مصر وتمويلها لمنظمات محلية مصرية فاجأت كثير من المراقبين في مصر وأميركا على حد سواء، وتصاعدت بشكل كبير وأدت لتدهور سريع في العلاقة السياسية بين البلدين لم يؤثر على المصالح المشتركة بين البلدين بعد، ولكن التدهور السياسي هو مقدمة للتدهور الاقتصادي والعسكري وعلى مستويات أخرى.
وحقيقة يبدو لي أن مصر لم تستعد جيدا لتلك المواجهة، فالمجلس العسكري يدير فترة انتقالية ومؤسساتنا المنتخبة لم تكتمل بعد، ولم يشرح المجلس إستراتيجيته تجاه أميركا لأحد، ولم يستعد لها جيدا بدليل أن شركات العلاقات العامة الأميركية التي تدفع لها الحكومة المصرية أموالا لتمثيل مصالحها في واشنطن رفضت هذا التمثيل وأوقفت عقدوها، في علامة على الضغوط التي تتعرض لها والوضع الصعب الذي وجدت أنفسها فيه وعلى سوء إدارة الأزمة والتوقيت.
هذا ناهيك عن انقسام الصف المصري الداخلي ذاته بخصوص ما يجري، حيث يرى البعض أن حملة المجلس العسكري الحكم ضد المنظمات الأميركية هي مؤشر على حملة أكبر على منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان والنشاط السياسي العاملة في مصر بشكل عام.
خامسا: حتى الآن لم يشرح المجلس العسكري للمصريين بوضوح مصالحهم لدى أميركا أو يوحد صفوفهم خلف إستراتيجية واضحة المعالم لخدمة تلك المصالح، فملف العلاقات المصرية الأميركية يبدو حتى الآن كملف سيادي يدار على أعلى المستويات الرسمية وبطريقة تقليدية ومغلقة، فالمصريون لا يعرفون كثيرا عن العلاقات المشتركة التي تربط الجانب المصري بنظيره الأميركي على المستويات الاقتصادية والعسكرية والأمنية.
كما أننا لا نعرف كثيرا عن السبل الكفيلة لتحسين تلك العلاقات، فالنقاش الدائر حول تلك العلاقات في مصر ضئيل للغاية ويقوم في أحيان كثيرة عما تنشره المصادر الأميركية ذاتها.
وبما أن للدبلوماسية أدوات كثيرة يمكن من خلالها تحقيق المصالح وأخذ زمام المبادرة، لا يبدو مفهوما أن تلجأ بلد بحجم مصر للصدام مع أميركا في هذا الوقت بالذات وبهذا الأسلوب.
سادسا: يجمع المصريون على أهمية احترام قوانين بلدهم وفرضها على الجميع وإخضاع مختلف المؤسسات الوطنية والأجنبية العاملة في مصر للقانون المصري، ولكن في نفس الوقت يدرك المصريون حجم الثغرات والانحرافات القانونية والسياسية الذي امتدت لمختلف جوانب حياة المصريين في عهد مبارك تحت أعين النظام نفسه وأن البلد في حاجة لمراجعة شاملة لقوانين وسياسات عهد مبارك.
كما يتمنى المصريون في نفس الوقت أن تكون الثورة بداية لمرحلة جديدة لعلاقاتهم الدولية ينفتحون فيها على العالم ويتبادلون المصالح والمزايا بلا صدام يهدر الطاقات والموارد.
وفي ظني أن عمل المنظمات الأجنبية والدولية في أي بلد من بلدان العالم شيء إيجابي ومستحب يجب تشجيعه والبحث عن صيغ قانونية تشعره بأنه مرحب به كمستثمر في علاقات بلاده مع بلادنا، خاصة وأن مصر تجد حولها دول عربية تجتذب أعداد متزايدة من الجامعات والمعاهد ومراكز الأبحاث ووسائل الإعلام الأجنبية لتعمل على أراضيها وتتفاعل مع مواطنيها وتكون جسر بينها وبين الخارج.
بمعنى أخر عهد الدبلوماسية السرية الرسمية الصدامية انتهى، والثورة غيرت صورتنا، ومصر في حاجة لفكر جديد يستفيد من زخم الثورة في بناء علاقات أفضل مع العالم، علاقات تقوم على أكبر قدر من الانفتاح والشفافية والمشاركة الشعبية والجماهيرية.
لذا أرى مرة أخرى أن الصدام مع أميركا في الوقت الحالي وبالشكل الراهن قد لا يصب بالضرورة في صالح مصر والمصريين، وأن على الشعب المصري بنوابه وحكامه عدم الانسياق وراء دعاوي الصدام أو الصراع، والبحث عن سبل أفضل لحماية مصالحنا في الولايات المتحدة وحول العالم، والله أعلم.
علاء بيومي