د. حبيب عنون
باحث في العلوم الاقتصادية والاجتماعية
في مرحلة كانت شريحة موظفي القطاعات العمومية في المغرب آملة في التبشير بتنزيل مشروع إصلاح منظومة الأجور في المغرب الذي كانت الحكومة المنتهية ولايتها قد صرحت على لسان وزير تحديث القطاعات العامة السابق، ها هم موظفو القطاعات العمومية يندهشون أمام ما يتم من مشاورات للزيادة في الأجور لبعض موظفي بعض الوزارات. وأولاهما، الزيادات المرتقبة في وزارة العدل لفائدة القضاة.
أولا، من الصعب استيعاب أن وزير العدل السيد الرميد سيقدم على الموافقة على هذا الاجراء ما لم يتم التشاور بشأنه لكونه كان من المناضلين والمؤمنين بضرورة إرساء أسس العدالة الاجتماعية والتي تعد من إحدى ركائزها تفادي استفادة البعض على حساب البعض الآخر خصوصا إن كان هذا الأخير يمثل شريحة مجتمعية جد مهمة ولا يصل مستوى معيشتها ولا مستوى أجرها الشهري لا مستوى معيشة ولا أجر القضاة.
ثانيا، هل يوحي السيد الرميد وزير العدل والحريات لموظفي القطاعات العمومية أن مشروع إصلاح منظومة الأجور في المغرب الذي اشتغلت عليه الحكومة السابقة (الباقية بعض أعضاءها) قد تم طيه؟ وهل بات في ظل دستور 2011 من حق أيها وزير إقرار الزيادة في أجور موظفي "وزارته" دون الأخذ بعين الاعتبار توجهات الحكومة في قطبيها (أي وجهة نظر المعارضة) والانعكاسات السلبية التي قد تطال باقي موظفي الدولة. ذلك أنه إذا ما تم اتخاذ هذا الاجراء بناء على ضغط من نقابة القضاة، فمما لا شك فيه أن نقابات موظفي القطاعات الأخرى ستكون مضطرة لتسلك نفس السبيل.
ثالثا، ما المراد من زيادة أجور هذه الشريحة من موظفي الدولة دون الآخرين ؟ هل بهذه الزيادة سنضمن حسن سير هذا المرفق ؟ لا اعتقد أنه ثمة علاقة بين الأجر وحسن الأداء لكون المسألة جد معقدة وأول بنودها يكمن في عقلية الموظف ولا في أجره. أم سنضمن اتساع الهوة بين أجور موظفي مختلف القطاعات ؟ هذا في وقت كان حزب العدالة والتنمية، من بين ما كان يتضمنه خطابه الانتخابي، التخفيف من الفرق الشاسع بين الأجور الدنيا والأجور العليا حتى نضمن عدالة اجتماعية. علاوة على هذا، كيف سيتقبل الشارع المغربي اتخاذ مثل هذا الاجراء في وقت وجيز بينما الحديث عن الرفع من الحد الأدنى للأجور تقام الدنيا وتقعد بشأنه وتتعدد جولات الحوار "الاجتماعي" بشأنه. وحتى بخصوص الرفع من هذا الأخير الذي حدده رئيس الحكومة السيد بنكيران في 3000 درهم خلال الخطاب الانتخابي، بدا يوضح مؤخرا السيد رئيس الحكومة أن هذا المبلغ لن يكون حاليا كما استبشر به كل الموظفين ولكنه لن يكون إلا مستقبلا أي بعد أربع سنوات أي خلال سنة 2016. وهذا قد يجعلنا ربما نستنتج أن تحسين الوضعيات قبل 2016 ستكون قطاعية تبعا لجدية مسلسل الحوار الاجتماعي وتبعا لوزن نقابات الموظفين.
رابعا: كيف يمكن تقبل الزيادات وخصوصا التفضيلية الفئوية في الأجور وفي نفس الوقت يتم التصريح بمحدودية وندرة الموارد المالية؟ ما هو رد وزير المالية والاقتصاد بخصوص هذا الشأن؟
خامسا: من الأكيد أن اتخاذ إجراءات على هذا النحو "التفضيلي" إذا ما تمت ، فسرعان ما ستعكس عدم الانسجام وغياب توحيد سلوكيات تدبير الشأن العمومي بين وزراء الحكومة الحالية وخصوصا وزراء حزب العدالة والتنمية الذين يدبرون الوزارات الأكثر حساسية في الحكومة الحالية. وعلى هذا النحو، قد أكون على صواب حينما أصدرت سابقا مقالا تحت عنوان: "هل سيستفيد السيد بنكيران من تجربة السيد عبد الرحمان اليوسفي؟".
سادسا: هل على هذا النحو سينعم المغاربة بالعدالة الاجتماعية الموعودة؟ وهل على هذا النحو سيتم إقرار التكافؤ والعدالة في تدبير ثروة البلاد والاستفادة العادلة منها من طرف الشعب المغربي؟ وهل على النحو سيتم تفعيل توجيهات ضامن وحدة البلاد بخصوص ضرورة إبراز وتوسيع مجال الطبقة المتوسطة التي من شأنها تحريك الاقتصاد المغربي؟
كان الاعتقاد السائد أن زمن تحكم المجال السياسي على المجال الاقتصادي قد ولى وأننا بصدد تنزيل برامج اقتصادية تتخذ من المبادرات الاقتصادية والاجتماعية لعاهل البلاد أساس ومنهجية عملها بعيدا عن الوعود السياسية الفارغة وقريبا من إيجاد حلول لهم المواطن المغربي واقتصاد البلد، إلا أننا بتنا نخاف ونهاب من سلبيات وتبعات بوادر فشل تجربة هذه الحكومة.