وماذا بعد في هذا الانفلات المتزايد في الفضاء العمومي؟ هل حل أحدهم أجهزة الدولة في غفلة من الجميع؟ أم أنها قدمت استقالتها طوعيا لمجتمع مضطرب؟، فها نحن نسمع الخبر القادم من عين اللوح، هناك أحدث بعض الأصوليين لجانا شعبيةلمحاربة الدعارة وإعادة الإدماج الاجتماعي للعاملات الجنسيات، حقا إنه لأمر مغري للعقل الشعبي البسيط، ومثار فرح أصولي لا يضاهى، فهو مصدر شعبية متزايدة، وفي نفس الوقت، ووفق الإيمان العقدي، مصدر لا ينضب للأجر والتواب.
هل بدأنا نلج عصر شرطة الأخلاق المخوصصة؟ إنه القلق بعينه ينتصب ليجثم علي الأذهان والنفوس، لكن، لنكن واضحين في نقطتين لا لبس فيهما، فمن دون شك، لا أحد يمكنه أن يدافع عن تجارة الجنس، أو يخفي تعاطفه مع ضحاياها، وبنفس القدر، ليس هناك اليوم من لا يدفع في اتجاه دعم العمل الجمعوي، أو بتعير أدق تثمين المبادرات التي يختزنها المجتمع المدني، حتى أن الدستور الجديد، فيه انعكاس ساطع للنقطتين حين يتحدث عن صون كرامة المواطنين، ويفرد بنودا كاملة للمجتمع المدني.
إنما ليس بهذا الشكل الذي يجري في عين اللوح، إن أعمال الضبط والرقابة هي من الاختصاصات السيادية للسلطة العامة، مثلما أن خلق اصطفاف اجتماعي على قاعدة تقييم أخلاقي عمل خطير في الممارسة السياسية والجمعوية، إن الطريق إلى الفتنة كثيرا ما يكون مفروشا بالورود أو النوايا الحسنة، حتى لا نفترض أنه قد يكون مدبرا بإتقان، ولنفترض أن تم تعميم التجربة، وانتشرت اللجان الشعبية في عموم البلاد، واختص البعض منها بمحاربة الخمر، والآخر ينتصب ضد الاختلاط الجنسي، والثالث ضد عدم الاحتشام في اللباس…
أشعر اليوم أن روائح الأصولية تخنقي، إني أرى الملتحين يحتلون الفضاء العمومي تحت أعين سلطة عامة مرتبكة أو خائفة لست أدري، لقد سطوا علي الربيع الديمقراطي، وأحكموا قبضتهم علي احتجاجات العاطلين، وفي صغريات المدن يقودون العصيان ضد القوات الأمنية، وفي العاصمة الرباط يدبرون احتلال المنشآت العمومية، مثلما احتلوا الانترنيت وشبكات التواصل الاجتماعي.
لن أتوقف وسأزيد الصورة قتامة، السلطة العامة الآن، وعبر حزب العدالة والتنمية، تقع تحت سيطرة حركة دعوية إسمهاحركة التوحيد والإصلاح، والمجتمع تزيد العدل والإحسان والسلفيين يوما بعد آخر إحكام القبضة عليه، وفي المنتوج الخطابي الرائج تسود المحافظة والأصولية،ماذا عساني أقول؟ ربما أن أسوأ الأيام لم نعشها بعد.