|
|
|
|
|
أضيف في 01 فبراير 2012 الساعة 38 : 10
بقلم: سمير عبيد تمهيد: الربيع العربي وثماره العلقم!
لقد دخلت منطقة الشرق الأوسط في نادي "جيوسياسي" جديد، ولقد جاءت عملية الدخول على مراحل، وضمن إستراتيجيات "أميركية" مرحلية، وأمد كل مرحلة هو عشرة أعوام، وجاءت بأدوات عسكرية وسياسية وأقتصادية ودينية، وكانت البداية منذ عام 1980 حيث الحرب "العراقية –الإيرانية" التي كانت حربا بالوكالة ضد إيران والعراق معا، وبدعم وإشراف أميركي وغربي وعربي، والتي تعتبر هي المرحلة الأولى لإنتهاك المنطقة أميركيا وغربيا، مرورا بحرب الخليج الثانية والثالثة، وصولا الى مايسمى بالربيع العربي الذي خطفت ثماره الولايات المتحدة والغرب وإسرائيل ولكن من خلال أدوات عربية نجحت بتطويعها لتصبح في خدمة مخطط إحتواء الثورات العربية، ومن خلال المراحل التي أشرنا اليها وصول لمرحلة الربيع العربي تم أنهاء المشروع القومي العربي في المنطقة، وقصم ظهر التيارات العروبية واليسارية والثورية، ومحاصرة التيارات الإسلامية الحقيقية في المنطقة، وولادة بدلا من ذلك التيارات الطائفية والمذهبية والدينية والقبلية والقومية المتطرفة، وولادة حركات الإسلام السياسي المتطرف والمغالي في برامجه ومواقفه، أضافة لحركات الليبرالية الأميركية التي تطوعت في تغيير المفاهيم وجعلها تتماشى مع السياسة والثقافة الأميركية، وهنا تعرضت روح الدين الإسلامي وروح القرآن الكريم الى الحصار والتهميش العَمد من خلال الحرب الضروس على "العروبة" ومشاريعها في المنطقة، والهدف هو ضرب عماد الإسلام الحقيقي وهو العروبة، وصولا الى الحرب التي لازالت مستمرة وبشعارات مختلفة لقهقرة الإسلام الحقيقي في المنطقة، والترويج والدعم الى فروع الإسلام "السطحي والمادي والدنيوي" الذي عقدوا قرانه على السياسة اللعوب التي لعبت بالإسلام الحقيقي شذرا مذرا، ولازالت الحرب مستمرة وبأدوات قذرة، لا بل وصلت الى أقدس المنظومات الدينية والإجتماعية والأخلاقية في الأمتين العربية والإسلامية.
وللأسف فأن هناك من يعتقد أن ثمار ما يسمى بالربيع العربي جاء لصالح "الإسلام" في المنطقة، وهو الأعتقاد الخاطئ تماما، بل أن ما حدث في تونس ومصر وليبيا وغيرها ما هو إلا عقد قران بين الولايات المتحدة والغرب وكان ثمنه دماء الشعوب وحناجر الشباب وطاقاتهم من جهة، والحركات الإسلامية التي كانت ممنوعة من الوصول الى الحكم بأمر أميركي وغربي من جهة أخرى، وكانت ممنوعة لأن دورها لم يحن وليس خوفا منها، وما حدث الآن هو "إشهار زواج المتعة" بين تلك الحركات الإسلامية والحكم السياسي الذي يمتلك حبله السري وسر ديمومته السفراء الأميركان في تلك الدول وغيرها. وأن أمد بقاء هذه الحركات في الحكم لا يتعدى الـ 10 أعوام حسب عدّاد المراحل الأميركية، فسوف تحصل حروب طاحنة " سياسية وحزبية وفكرية" داخل تلك الحركات الإسلامية المتنافرة والتي أتحدت بفعل "صمغ الوصول الى السلطة، وبفعل الصفقات السرية مع واشنطن" وسوف تولد من رحم تلك الحروب حروبا شعاراتها "الإثنية والعرقية والدينية والطائفية والمناطقية"، والتي ستفرض التقسيمات الديموغرافية والجيوسياسية في تلك الدول، وأن صواعق التفجير موجودة داخل الانظمة السياسية الجديدة التي تشكلت في مصر وتونس وليبيا واليمن لأنها أنظمة " تجميع" وولدت من رحم الغرف المغلقة، وتحت شعار الديمقراطية التوافقية التي لا وجود لها في الفكر السياسي، بل هي عبارة عن مسكنات مؤقتة كُتب عليها كلمة " ديمقراطية" وسوف تتحول بعد حين الى " دم قراطية" ومثلما حصل في العراق. فلن تتمكن تلك الحركات الإسلامية ومن معها من حركات الليبرالية الأميركية التي أصبحت في الحكم من صنع مستقبل زاهر في تلك الدول، بل سيستفحل الأهمال والفقر والتخلف والتطرف والتدهور الأقتصادي في تلك المجتمعات، وسنسمع قصصا ومآسي تشيب لها الولدان، وسوف تحصل عملية تهرّب من المسؤولية بين القوى المتحالفة مثلما هو حاصل في العراق وأكثر، وكل فصيل سيتهم الأخر بأنه مصدر الأهمال والتقاعس والفساد وتستمر الحكاية، وهي ليست نظرة تشاؤمية من الكاتب بل هي حسابات تحليلية وأستراتيجية، وحينها ستفرض الأصطفافات الجديدة في المنطقة على ضوء قوة ونفوذ أعضاء النادي "الجيوسياسي" في المنطقة والذي هو جزء من العالم المتغير، وحينها سنشهد أنقلابا في الجغرافية والمجتمعات، أي سنشهد بعد حسين دولا صغيرة متناثرة ومتناحرة في المنطقة!
ما هي أسرار الدفاع الروسي عن النظام السوري؟
هناك جدل فكري وتحليلي هذه الأيام، بين المحللين والمختصين حول الدور الروسي المتصاعد في المنطقة، وخصوصا الموقف الروسي الواضح بالدفاع عن سوريا، والسؤال: هل أستيقظ الروس بشكل مفاجئ، وهل عثر الروس على قوة سرية جدية، وهل أستورد الروس شجاعة من السماء، وهل بلع القادة الروس علاج التحدي لأميركا، وهل لدى الروس مصداقية في توجهاتهم وسياساتهم الجديدة بحيث صاروا سوريين أكثر من السوريين في بعض الأحيان؟...الخ من الأسئلة الجدلية، وجميعا أسئلة مشروعة.
ولكن لِما الإستغراب من الإندفاع الروسي في الدفاع عن سوريا؟
فلو نظرنا الى "سوريا + روسيا" فسوف نرى هناك ترابط جدلي بين حروف أسمي الدولتين، وقد يكون هو مؤشر ما ورائي ورمزي لأمر ما، ونحن لسنا من ذوي الأختصاص لكي نُفسر ذلك!، ولكن من خلال التحليل السياسي والإستراتيجي نجد هناك قرائن لابد من توفرها لكي تتوضح الرؤية الصحيحة، والقرائن وببساطة شديدة تؤشر كيف أن روسيا في حالة أتحاد مع سوريا، وليس من باب البطر أو من باب الغرام بالنظام السوري الحاكم، والسبب لأن أعداء سوريا اليوم هم أنفسهم أعداء روسيا التقليديين ومنذ الإتحاد السوفياتي وحتى اليوم، وأبرزهم الولايات المتحدة، وحلف الأطلسي"الناتو"، وتركيا، ونادي الأنظمة العربية والإسلامية التي تدور في فلك واشنطن، وهي الأنظمة التي أمدت واشنطن بالمجاهدين في حربها بالضد من الإتحاد السوفيتي في أفغانستان وبتمويل ولوجست من السعودية وبعض دول الخليج، واليوم هي بمثابة الصفحة الثانية من نفس السيناريو الذي جرى في أفغانستان وعلى الأقل من وجهة النظر الروسية، وعندما سارعت الدول الغربية "دول الناتو" وواشنطن الرياض وأنقرة وعواصم خليجية وعربية وإسلامية تدور في الفلك الأميركي الى دعم عملية التغيير في سوريا وصولا الى تدريب المقاتلين وزجهم في سوريا أضافة الى المجموعات الداخلية التي باشرت بالحراك داخل سوريا، ناهيك عن الحملة الإعلامية غير المسبوقة من قبل، من هنا شعرت روسيا بأنها الورقة الثانية في حرب واشنطن وأنقرة والرياض بالضد من روسيا من خلال سوريا". وبالتالي فعندما تفقد روسيا لسوريا إسوة بالعراق وليبيا فسوف ينتهي دورها تماما في منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي على حد سواء، خصوصا وأن المخطط الأميركي – الأطلسي لازال مستمرا وهو على أبواب الحليف العربي الآخر لروسيا وهي الجزائر، ولازال يتقدم وبقوة نحو الصديق المهم لروسيا أيضا وهي إيران، من هنا شعرت روسيا بأن المخطط "الأميركي – الأطلسي ـ التركي" بالضد من سوريا يستهدفها مباشرة في محاولة لإقتلاع التواجد الروسي نهائيا، وأنهاء المصالح الروسية في المنطقة وللأبد، ولهذا راحت روسيا بعيدا في التصعيد السياسي والدبلوماسي وحتى العسكري واللوجستي، وهي الآن تقود حربا "إعلامية ودبلوماسية وإستخبارية" حول سلامة سوريا، مما أعاد لها الثقة بنفسها.
ومن هناك سارعت الصين وإيران والهند لدعم السياسات الروسية في مجلس الأمن وفي المنطقة، لأن الإستهداف الأميركي والأطلسي لن يتوقف عند روسيا وإيران بل سوف يستمر وصولا للهند والصين. فالوضع المتأزم في باكستان وبسبب السياسات الاميركية يخيف الهند المجاورة لهذا البلد المسلم والنووي، والذي يحتوي على قنابل طائفية ومذهبية وإثنية وقبلية وحزبية وفكرية تغذيها قوى خارجية وليس من مصلحتها انزلاق باكستان في لعبة التقسيم والتفتيت، وحتى أنها خائفة من تقاسم السلطة في باكستان بين أصدقاء تركيا وأصدقاء السعودية والولايات المتحدة، وتشاطرها في هذا الخوف إيران أيضا، مما ولد تعاونا هنديا _ أيرانيا حول ضبط الإيقاع السياسي في باكستان خوفا من تحويل باكستان الى مخلب بالضد من إيران والهند معا، ومن هناك أفغانستان ووضعها المتردي سياسيا وأقتصاديا وأمنيا هي الأخرى تشكل خطرا على الصين التي لها حدود مع أفغانستان وبحوالي 74 كيلو متر، والتي ترتبط مع إيران بحدود طويلة وبتشابكات مذهبية وعرقية وإثنية وأجتماعية وأقتصادية وأمنية هي الأخرى دفعت بالصين وإيران للتعاون السياسي والأمني وصولا للدعم النفطي من قبل إيران للصين الشعبية وحتى للهند لكي تبقى العلاقات قوية ومتفاعلة بين الدول الثلاث، وبما أن الهند والصين وإيران دولا مهمة للغاية بالنسبة لروسيا راحت الأخيرة للأنظمام الى الكوسترا الإيرانية الصينية الهندية، لا بل تحولت روسيا لتصبح هي المايسترو في مجلس الأمن وفي المحافل الدولية وبدعم هندي وإيراني وصيني، علما أن الخوف الصيني الهندي الإيراني ليس من الولايات المتحدة فحسب، بل من حلف الأطلسي وتركيا فهما متواجدان وبقوة في أفغانستان، ولهما امتدادات أستخبارية وأقتصادية ودينية داخل باكستان، وبالتالي أصبحت تركيا هي الأخرى مصدر قلق بالنسبة لإيران وروسيا وحتى للصين، ففي داخل تركيا على سبيل المثال هناك معسكرات سرية لتدريب المسلمين الصينيين وإرسالهم الى الصين، ناهيك عن المعسكرات لتدريب السوريين المنشقين وأمدادهم بالسلاح والمال وأدخالهم الى داخل سوريا. وبما أن سوريا تهم إيران وروسيا والصين وحتى الهند أصبحت هي بيضة القبان بل الكود السري في الصراع الدائر بين واشنطن وأنقرة والأطلسي من جهة، وبين موسكو وبكين وطهران من جهة أخرى، وبالتالي أصبح الوضع السوري جزء لا يتجزأ من الحرب الباردة في المنطقة، والتي هي بين روسيا وأميركا وبالعكس، وبين الصين وأميركا وبالعكس، وبين إيران وأميركا وبالعكس، وبين تركيا وإيران وبالعكس، وبين تركيا وروسيا وبالعكس.
سمير عبيد
كاتب ومحلل في الشؤون السياسية والإستراتيجية
|
|
2716 |
|
0 |
|
|
|
هام جداً قبل أن تكتبو تعليقاتكم
اضغط هنـا للكتابة بالعربية
|
|
|
|
|
|
|
|