توجه عشرات الآلاف من الرباطيين والسلاويين والمغاربة القادمين من مدن أخرى بركة ليلة السبت 28 مايو إلى فضاء السكن العسكري/ السويسي لمشاهدة حفل شاكيرا الصاخب الذي توج نهاية مهرجان موازين. اصطفت آلاف السيارات جنبات كل الطرق المؤدية إلى الفضاء القريب من فندق سوفيتيل (هيلتون سابقا) كما أن أفواجا عديدة جاءت على الأقدام من كل أحياء العدوتين، فاختلط الرجال والنساء، والشباب والكهول، والعائلات والأطفال، الكل يتوق لرؤية الشقراء الكولومبية وهي ترقص وتغني وتهز في النفوس طربا ارتد له الكل صفيرا وغناء وصياحا، في صخب لم تعرفه من قبل هذه المنصة من منصات "موازين" أو غيرها من المهرجانات. وأنا أسير وسط الحشود الهائلة التي كانت قد بدأت تقصد هذا الفضاء منذ الساعة السادسة والتي لم ينضب صبيبها حتى الساعة الثانية عشر ليلا، كنت أتساءل ما الذي يجذب كل هؤلاء، شيبا وشبابا، نساءا وذكورا، أطفالا وشيوخا، ومن كل الطبقات إلى شاكيرا؟ ما الذي تهزه في كيان المائتي ألف مغربي ومغربية الذين جعلوا من فضاء "الأولم ـ السويسي" بحرا عبابا من الأمواج البشرية المتطلعة إلى رؤية هذه الشقراء ذات الشعر الذهبي المنسدل وذات الوجه الأخاذ؟ هل فعلا يفهم الكثير معاني ما تغنيه هذه الكولومبية ذات النطق لأمريكي الخالي من أية لكنة؟
إذا اقتربنا شيئا ما من المنصة يشدك منظر الآلاف الذين يصرخون ويغنون ويرقصون وكأنهم في شطحة من شطحات الحال أو الجذبة والذين تحدث فيهم كل حركة من حركات وأصوات النجمة العالمية خليطا من الأمل والفرح يجعل البعض يبكي والبعض ينتعش بنشوة فريدة والبعض الآخر يصرخ وكأنه يعيش أبهى لحظات الفرجة. ذكرتني بعض هذه المناظر ببكاء الشباب في الستينات على غناء البيتلز وهيام الكثير عند رؤية إلفيس بريسلي وبعده بسنوات مايكل جاكسون وغيرهم. القاسم المشرك بين البيتلز وبريستلي وجاكسون والآن شاكيرا هو أن المغني نفسه هو مصدر الفرجة لا الغناء أو الكلمات أو الموسيقى. ما يحصل هو أن ذات المغني، جسده، جماله، شخصه يصير رمزا في حد ذاته لنوع من الانبهار والانجذاب يجعل المتلقي العاشق له يرى في اللحن والكلمة والرقص فقط ذريعة للتقرب أكثر من مدلول أعمق يجسده المغني كرمز، كشخص، كذات، كنجم أيقونة.
شاكيرا أيقونة لأن من حجوا لمشاهدتها تغني في الرباط ما كان يهمهم، (حسب ما أمكنني معاينته عن قرب) هو ذات النجمة كإرسالية، كرمز، كشيء في ذاته. شاكيرا بالنسبة للكثير هي مغنية مغرقة في الجاذبية لأنها نجمة، لأنها مشهورة، لأنها جعلت جمالها وجسدها في خدمة الغناء. الإيحاءات الشبقية لجسد شاكيرا تجعل المتفرج يجد بعدا ليبيديا لرغباته ولأحلامه الفانطازية ولغرائزه المكبوتة بفعل الثقافة والمجتمع واللغة والقانون. إنها لحظة يتأسس فيها تمثل لذات المتفرج وغرائزه وأوهامه الفانطازية عبر جسد شاكيرا الأشقر والجميل والذي تعطيه الأضواء الكاشفة تلوينات متعددة (حسب الإيقاع والكلمات) وأبعادا لا متناهية من التعبير والمعاني الخاصة لدى كل ذات تلهث وراء نظرة لجسد النجمة الأيقونة.
شاكيرا هي إذا تعبير، عبر الجسد وحركاته، عبر الرقص الموحي إلى معاني جنسية واضحة ومضمرة، وعبر حركات تدغدغ عواطف وجوارح الجمهور، عن تجسيد لرغبة الذات وآمالها وآلامها، تنصهر فيها ذوات المتفرجين في هذا البركان العارم الذي يصدر حمما ليبيدية تأتي على الأخضر واليابس في الذات المتفرجة. من هنا نفهم الصراخ شبه الهستيري الذي يصاحب كل حركة من حركات النجمة الجسد، ونفهم لماذا يحس الكل بنشوة عارمة كلما بدت وكأنها تتوسط الجمهور وجسدها يضئ إثارة وجنسا وفرحا وأملا وطربا و...